واليتُ الغزواني قبل أن يترشح / المختار السالم

ساهمت بجهدي المتواضع في الترويج لترشيحه..

كانت إدارة الآلة الإعلامية من الكواليس أمراً صعباً بحَقّ.

كان جزء فاعل من "بقايا فلول" الرئيس السابق يرفض رئاسة الغزواني "نجل الحاضنة الاجتماعية التي تتميز بالذكاء والثراء والتغلغل داخل أجهزة وحركات عابرة للحدود".

قال أحدهم في اجتماع "سيورثها لأبنائه كما يورثهم ورده الصوفي".. وقال آخر: "عام 2007 رشحنا شيخا طاعنا في السن مريضا وضعيفا ولا يفرق بين فصائل الجيش فمسح بنا الأرض حتى كان الانقلاب، فكيف برجل عسكري داهية وضليع بأمور مثلث: الجيش والأمن والمجتمع".

كتبت التقرير المركزي الذي استخدمته دول خليجية نافذة في الانحياز للغزواني و"بناءً" عليه نَصَحَتْ تلك الدُّول فرنسا وأمريكا.

على طريقة ابن عمي... تغيير الرأي لا يكلف غير "نزلة" من "ظامت".

لماذا أفعل ذلك؟

لا يعرف الحرب إلا من قام بتغطيتها، وكنت أخاف اندلاع الحرب الأهلية في هذا البلد، وكان القادرون على إبعاد شبحها قليلين. موجودين ولكنهم نزر معدود.

كان الغزواني العارض الأبرز الذي اقتنعت أنه مطر في أفق، نادرا ما يمطر غير الصواعق، وفي منطقة لا تنمو فيها إلا أعناق الزجاج.

قبل تأكد الترشيح بسنتين قلت "للرفيق" ما يدور "هناك" في المحور المضاد. قلت له "لا تتفوه بكلمة لا أريد رأيك.. انقل المعلومات فقط للمعنيين فيما يفترض أنها حملة موازية سوف تتشكل".

قبل الحملة الانتخابية عرض علي لقاء الغزواني فقلت "ليس الآن.. هذا ماهو متروش". خلال الحملة أيضا و"سباق الصور"، قلت "هذا للمتعجلين.. أنا لا أريد منصبا".

تولد انطباع بأنني "محير"، وأن هذا مجرد مكر.

"أتخدم الرجل بالمجان؟". نعم. وأخدم رجالا كثيرين ونساء كثيرات بالمجان.

لن يفهمني أحد.. في هذه.

ذات يوم كشفت في "تقرير دولي" دخول أسطول أمريكي سواحل البلاد، وجن جنون فرنسا التي كان سفيرها (وقتها) يختلي بأعضاء من لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الموريتاني ويبلغهم "أن الأمريكيين إذا دخلوا بلدا فلن يخرجوا منه". أمرت الرئاسة يومها وزارة الاتصال بتكذيب الخبر، وإغرائي بـ"أي منصب".

في اليوم الموالي، كتبت في "صحيفة الدولة" أنني أرفض مناصب التسيير. "مالي أنا ومال الغلول!؟".

حين احتجت للمال عام 1991 فتحتُ حنفية سعودية. وقامت "الدولة" بإغلاقها، بعد تقرير من "زملاء كثر" أخبروهم أنني بصدد سحب صحيفة "المحيط" في عدة عواصم إفريقية في وقت واحد لأنافس صحفا فرانكفونية، وعلى الأقل لأمنح المستعربين في الساحل صحيفة ممتازة.

استقبلني ولد الطايع ونصحني بالابتعاد عن "الخارج" ليأمر بعد خروجي من مكتبه ببدء حملة "أيها الشباب إنكم بطبيعتكم"...

بعد ذلك بسنوات حصلت بكل سهولة من خلال تحقيق كتبته على صفة "مراسل دولي" بمرتب مغر مع استشارات لدى سفارات عربية.

ويا للسخرية، تدخلتْ الرئاسة، مرة أخرى، بواسطة موظف فيها، وبتخطيط من أشخاص أيديولوجيين، فتم وضع متاريس بيني وبين "البترودولار".

جاءني عرض سخي من مؤسسة إنتاج تعمل لصالح قناة "الجزيرة" (ولدي وثائق هذا العرض حتى الآن).

جاء العرض في اليوم الذي طردتْ فيه المدرسة الابتدائية أبنائي لأنني لم أدفع القسط الشهري.

قلت في نفسي لن أعمل معهم. ولن ألجأ إلى الحاضنة القبلية، ولن أتمسح بيد أحد ولا برجله. الرزق عند الله الكريم جل وعلا.

اتصل بي صديق طالبا خروجي إلى أوروبا. قلت ممازحا سيحدث ذلك "حين تغير أوروبا قوانين التحرش".

بودي لو شكرت، في هذه السانحة، عروض "اللجوء الغذائي" من المغرب والجزائر.

لقد أنتجت كما هائلا وغير مسبوق من الإنتاج الصحفي خلال الثلاثين سنة الماضية، والآن (2016) لدي 4 كتب فقط.. إذنْ سأخصص وقتي للتأليف. بعدها أنتجت 20 عملا أدبيا بين ديوان ورواية ونشرت أعمالي في عمان والشارقة والرباط وباريس ولندن، وفزت بجائزة الدولة التقديرية عن رواية كتبتها في أسبوعين.

بعد قطع مصدر الدخل من دول الخليج قابلتُ من الشامتين ما لا أحسد عليه. لكنني كنت مرتاحا لأنهم مرتاحون. حتى أولئك الذين حملتهم قصائدي إلى النجومية لم يجدوا حرجاً في حربهم المقدسة عليَّ. في البداية جئت بحصان طروادة. بدا لي الجميع وقد أكلوا من الشجرةِ، ولكن ما من أوراق يخصفون منها على عوراتهم.

عام 2019؛ كنت "خارج الرصد" من "فريق سياسي" خاض حملته الخاصة بعيدا عن الحملتين الرسمية والموازية.. رغم جلسات خاطفة مع المختار ولد داهي ومحمد إسحاق الكنتي ومحمد الشيخ سيدي محمد.

باقتراح مني، جعل أحد أصدقائي أغلب الصحف والفضائيات الناطقة بالإنجليزية في أمريكا وبريطانيا تنشر مقالا تعريفيا بالغزواني باللغة الإنجليزية (لغة العالم). لم يكلف ذلك الحملة أوقية واحدة.

هناك نماذج كثيرة من العمل تبقى للتاريخ. لعل أخطرها حين طلبت لقاء محمد يحظيه ولد ابريد الليل، فاتصلوا به وهو في البادية فقال لهم إنه سيحضر في الغد ما دام المختار السالم يريد لقاءه.

انتهزت فرصة انشغال الأستاذ دفالي الشين بضيافتنا في مكتبه، وقلت للأستاذ "إن عزيزا سيناصر الطرف الذي تقف ضده في الانتخابات الرئاسية". لم أزد على ذلك.

فاز الغزواني منذ خطاب الثاني من مارس: "خطاب الأم واللغة الأم"، فاز الغزواني رغم "ما حصل" في أيام قبل الاقتراع إذ لم تكن الدولة قادرة على فرملة القطار الذي انطلق.

كان رجلا مثقلا بالذكاء، الفاعلية، سرعة التحرك، البساطة ومكارم الأخلاق.

لم أسع لمنصب سام، وهذا حقي ككل مواطن، لكن ما فاجأني هو حجم العمل الممنهج لإبعادي حتى عن مؤتمر صحفي، حتى عن مهرجان ثقافي، حتى عن أمسية ثقافية.

شارك في هذا الإبعاد أقوام وحركات وجهات أعرفهم بسوئهم وحقدهم وجبنهم عن المواجهةِ.

إنَّ مدونا فارغاً زوبع الزوبعة، فماذا لو كنت أنا، وأقولها بكل حمولتها، ماذا لو وجهتُ سهامي نحو من حاربوني لا لشيء إلا لأنَّ لي قلماً يكفل مريم!

ماذا لو نشرت ما في بيوت بعض "أعدائي" وأطهره ما في أمعائهم!؟

إنني استغرب قدرة البعض على حمل كل ذلك القدر من الكره والبغضاء والحقد لشخص لم يؤذهم.

واليتُ الغزواني لا ليمنحني منصبا، واليته لأنني كنت مقتنعا أنه سيمنع الحرب الأهلية التي خُطط لها في هذا المجتمع، وواليته لأنني أحببته في هدوئه وأخلاقه ووطنيته وفصاحته وعروبته.

أعرف أن عاميا أبله سيخرج ليقول إن هذا الكلام "نفاق" واسترزاق...

ما أسخف أولئك الأميين الأوصياء على ولاءات الناس وآرائهم، غوغاء الحمقاء الذين طفوا على السطح كما تطفو الجثث على البحر... لا تجد جواهر البحر طافية أبدا. الدر في أحشاء البحر لا فوق سطحه.

تمتعوا بجيَّـفـيَّـتكم فأنا أملك التاريخ وأنتم لا تملكون غير مكان محدود هو القبر الذي ينتظركم، ولولا أن الموت كُتب عليكم لرفض أخذ أرواحكم الموبوءة.

لا يصلح منكم من يحدد على أي نية كانت قلوب المواطنين.

في الموالاة خير وفي المعارضة خير، لكن ليس في النمامين والمنافقين خير، وليس لهم الحق في إملاء قيمٍ منها هم فارغون.

أنا واليتُ الغزواني دون تردد وأناصره وأدعو له بالتوفيق وبالصبر على أغلبية فيها أبطال وخائنون والحمد لله أنَّ المعارضة تتكفل بدرء خطرها.

الخطر من الحرب الأهلية تراجع بنسبة كبيرة، وعلينا أن نقنع تجار البلبلة بأن أسوأ ما قد يفخر به مواطن عربي أو إفريقي هو أن يلحق أحدهما الأذى بالآخر.

اسألوا من جعلتهم وزراء بمجرد فكرة مني، وآخرين تطلب توزيرهم حملة إعلامية غير نمطية وصبورة.

لم أقبل جميلا من هؤلاء.. ولا تعيينا في وزاراتهم.

اسألوا قادة المؤسسة العسكرية والأمنية الذين عملوا فيها منذ عدة عقود هل خدمت عند أحد منهم أم طلبت منه أي خدمة؟

حتى حين شن حقود حملة لمنع إدراج قصائدي في المناهج التعليمية لأنه لم يطق عبارة "رائد الحداثة" لم أطلب أبدا تدخل أحد، كذلك حين شطب على اسمي من قائمة كتَّاب النشيد الوطني، وأنا رائد كلمات الأغنية الموريتانية بلا منازع.

أنا واليتُ الغزواني لا مستطعما ولا "مستـنصبا".. وإنما إعجابا بشخصه وذكائه وما يمكن أن يضمنه من مسير آمن في حقل الألغام الوجودية في هذه المنطقة.

أما "توابع الإلغاء" الذي

ن كانوا يعولون على "ترفعي" فعليهم الاكتفاء بما فات.

4. أغسطس 2023 - 15:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا