الإعلام و السياسة بين المطالب الواهية و غياب الرؤى العالية / الولي ولد سيدي هيبه

altيكثر الحديث عن الإعلام منذ أسابيع عبر عديد البرامج الحوارية و التفاعلية على شاشات القنوات التلفزيونية و أثير المحطات الإذاعية في شكله ومضمونه و سبل تمويله و عن مكانته بغير ما تحديد منطقي وموضوعي رصين من ناحية لدواعي هذه المطالب الجامدة التي لا تدفعها - بما تنضح به مجريات النقاشات

و الأحاديث -  عوامل عملية و "غيرة محاربة" بأظافر و مخالب الحق للحصول على "المستحق" من جملة هذه المطالب البعيدة عن التقنين ، و بالاعتراف من ناحية أخرى كما تقتضي و تملي و تلزم "الشجاعة الأدبية" بما هو حاصل من إخلال و تعارض مع توجه و روح و منهج و أدبيات و مبتغيات الحقل الإعلامي ـ على أهميته المحورية في كيان الدولة - و سمو أهدافه علما، من جهة نظر المنطق المجرد، بأن زمن "أحادية حمله رسالة الإخبار و التوجيه" قد ولت في أغلب أوجه حالات و تأويلات الإعلام بمفهومه التقليدي، حيث لم يعد يختلف في أي شيء عن باقي حقول و ميادين العطاء و الإبداع و الإصلاح و البناء و دعم "الحكامة الرشيدة" و نشر قيم العدالة و المساواة و ثقافة الديمقراطية.

إن الإعلام من حيث قيمته المعنوية التي تشكل مبدئيا "السياج الأول" الذي يجب، أخلاقيا و مهنيا، أن يضرب ذاتيا حول نفسه، على ضرورة أدائه القصوى،  ليس مطالبا بأن يذهب إلى حد الاعتقاد "الطوباوي" بقدسية تقصي من وجود لـ"للشوائب" و "الانحرافات" في نسيجه العام، علما و اعتبارا للاختلاف و الجدل القائمين حول تأويلات الشوائب التي تعتري الإعلام في "مخرجاته" شكلا و مضمونا و الانحرافات التي تحدث في خطوطه التحريرية و توجهاته المهنية و مواقفه المبدئية التي تمليها الظروف المتغيرة و الصروف الزمنية المتقلبة، من منطق العصر و ما أفرز من مرونته مع تباينات الناس و اختلافاتهم حول ما يطلبون و ينتظرون من الإعلام المشتت على ذلك حول همومهم و قضاياهم.

و إنه بقدر ما تتفاوت أنواع و أداءات و عطاءات و مقاصد قطاعات الجيش و المدارس و الجامعات و المعاهد و الصناعات و الفنون في أشكالها و الفرق الفنية على أنواعها و اختلاف أحوالها و مقاصدها و المطاعم و وجباتها و ما إلى غير ذلك لا يحصى، فإن عطاء وسائل الإعلام المرئي و المكتوب و الإذاعي و الالكتروني يتفاوت هو كذلك من حيث هذه القيم و الأهداف و النتائج و الأداء بحسب التوجهات المختلفة و القدرات المتباينة و المقاصد المرسومة و المخططات المعدة دون أن لا يظل إعلاما فيه الغث و السمين و الملتزم و المتحرر و النخبوي و الارتجالي و المقلد و الساخر و الشعبي.

 من هنا لا بد، في إطار ما أصبحت تمليه بل و تفرضه حرية التعبير و المنافسة في دائرة الحد الأدنى من احترام الخطوط الحمراء التي يلعب في سياقها المعتقد و منظومة الأخلاق الاجتماعية دور "صمام أمان" المجتمع ضمن دائرة البلد حصرا و الانتماءين العربي و الإفريقي ثانيا و العالمي تباعا، أن تكيف العقلية التي من المفروض أن تنفتح بأقل تقدير ملزم على القواسم و المشتركات الدولية الجديدة التي كرستها المنظمة الأممية و مواثيق أخرى اصطلح عليها و اعتمدتها هي الأخرى منظمات عالمية و جهات مختصة ولدت من رحم التحولات الهائلة في القرية الكونية الصغيرة.

و لكي يتم تجاوز هذه المرحلة "المبصومة" بطابع الانفصام ما بين صوت جهوري يطالب، بعيدا عن دوره الذي من المفروض أنه وجد لأجله، بالحصول على نصيب من كعكة الدولة، التي يتقاسمها المفسدون و الطفيليون المرجفون و الحربائيون و الوصوليون و السياسيون و ذوو النفوس التائهة، مطالبة "الأفراد" دون "المؤسسات"، و ما بين الأداء المائع المشتت بين الأهواء السياسية الضعيفة الخالية من الحس الوطني و بين الاسترخاء في أجواء رجعية الماضي و غياب المهنية المنتظمة في سياقات جامعة مانعة تدفع إلى الاستقلالية و أداء الدور المنوط بالاعلام.

وعلى نفس موائد هذه الندوات الحوارية يجتمع ممثلون عن صحف و مواقع الكترونية و محطات تلفزيونية و إذاعية و عن تجمعات للصحف و للمواقع و عن الروابط و النقابات ثم يكررون أنفسهن و هم لا يشعرون... يتحدثون عن حقل لا قواسم مشتركة بين أطرافه و هم يعلمون و يتفقون حول مطالب ذات قاسم "يتيم" يرمي إلى استئصال أموال عمومية من خزينة الدولة دون ضمان المقابل و يرضون في نهاية المطاف بما يقدم... و لمن؟

- للأصلح و من هو؟  

- للأبقى و في أي قالب قانوني مضبوط؟  

- للأقرب و من ماذا أو من من؟

و كأن المطالب كانت واهية على الرغم من الإلحاحية المجمع عليها... يطيلون النقاشات خلال الندوات و يفرغ الكل جعبته و لا يلحظ أي اختلاف فكأنما كل شيء في عمومه من مشكاة واحدة. فهم متفقون حول النظريات التشخيصية و الإستخلاصية و الإجماع على رمي الإخفاق على بعض الجهات دون أن يعترفوا أنها في الواقع هي مسؤولية كل الجهات ثم يتوصلون بإيقاعات شطر السيمفونيات الموحدة  إلى استنتاجات تخمد النيران للتو لتترك الأحوال على ما كانت عليه إلى أجل غير مسمى.

و مع كل ذلك فإن حقل الإعلام حي و تأبى روحه بفضل دمائه الفتية و الحيوية إلا أن تنبض فوق كل ما يقولون و هو نشيط على "الطريقة الموريتانية" إذ كيف له أن يخرج عليها؛ فالصحف الرديئة الشكل تصدر كيف ما تشاء بالأسود الذي لم يعد كذلك و على متن صفحاتها القاتمة إنتاج جيد و غزير تسطره أنامل شباب قدراتهم بادية و توجهاتهم وطموحاتهم الإعلامية طافحة و المحطات التلفزيونية و الإذاعية على قدم و ساق تبث من إنتاجهم كذلك ما هو جيد في منافسة شديدة مع البرامج الغنائية و الشعرية المترفة التي زادت عن حد اللزوم حتى باتت قيمتها الثقافية و الفنية مهددة بالخفوت و التراثية بالاندثار.

ولا يترك أهل الحقل السياسي بكل ألوان طيفه نصيبهم من "الطريقة الموريتانية" في معالجة الأمور و استدرار المنافع من خزينة الدولة للتسيير و إعداد المشاركات في الاستحقاقات التي حولها ألف استفهام. فالمواقف المتباينة حول كل القضايا الشائكة لا تحكمها الضوابط المعهودة في العالم من حولنا، و الحراك موسمي يهدف في إصرار "سيزيفيي" إلى فرض "الأنا" دون الاختفاء المحمود وراء نبل المقاصد. و لا أدل على ذلك من غياب أية مسطرة هموم و أولويات وطنية تكرس من حولها رغبة تلقائية في تلاقي و وفاق كل التشكيلات المرخصة و أن تعدوها لا تحصوها... كل فارس يصارع بمفرده جميع "طواحين" الأمة من حوله بعيدا حتى عن روح "الدونكيشوتية" التي هي دون عماها سامية المقاصد. كما أن الأزمات المتكررة و ما تسببه من تشتيت أذهان أفراد الشعب حول متطلبات الخروج من بين مخالب التخلف و الجهل و الفقر و الغبن، لا تنسي هذه التشكيلات نصيبها من خزينة الدولة التي قال زعيم أحد الأحزاب في رد على سؤال حول وجهة الأموال التي يتلقاها الحزب من الخزينة العمومية "نتقاضى منها رواتبنا و نسير مكاتبنا و نصرف على بعض مهرجاناتنا"... فحسب... و طبعا لم يتضمن الرد أي شيء عن حملات نفعية من أي نوع كانت لفائدة المناضلين و المنخرطين في الحزب و عامة الشعب الذي هو المستهدف عند كل استحقاق... أو ليس هذا مؤشرا مهما على غياب الرؤى السياسية العالية؟

26. مايو 2013 - 12:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا