إن قرار التدخل العسكري في النيجر إذا ما تم سيكون بمثابة غرس خنجر في خاصرة منطقة الساحل والصحراء، ومحاولة جديدة من الغرب للسيطرة والإستعمار لدول المنطقة.
لا تدخل فرنسا هذه الحرب من أجل سواد عيون الشعب النيجري وإنما لضمان حصتها من خيرات صحراء تعوم في بحر من اليورانيون والغاز والنفط؛ ولأنها مدركة لخطورة التوسع الروسي في المنطقة خاصة بعد أن ثبت رجليه في مالي ووسط إفريقيا وليبيا ومحاولاته المتكررة لإغراء بقية الدول، خاصة أن علاقته بمالي أظهرت سخاءا روسيا غير محدود في مجال التعاون العسكري في تجهيز وتطوير الجيش المالي ومنحه العتاد العسكري اللازم ليكون متفوقا على جيوش المنطقة.
في المقابل يواصل الغرب سياسة المنح المالية التي تكرس الفساد ولا تحقق تنمية للدول التي لم ترتمي في حضن الروس؛ وذلك من أجل أن تظل هذه الدول ضعيفة تنهكها الديون والفساد على جميع الأصعدة والارتهان للغرب وتنفيذ أجندته وإن تطلب الأمر القتال والحرب بالوكالة عن الغرب؛ الشيء الذي إن لم يعجل بزوال هذه الدول الضعيفة أصلا سيجرها لأتون حرب أهلية أو سلسلة إنقلابات وصراع محتدم على السلطة بين قادة الجيوش فيها.
ليست النيجر استثناء من دول المنطقة حتى يلوح الإكواس بإيعاز من الغرب بإعلان الحرب، لمجرد أنها قررت التخلي عن العباءة الفرنسية والارتهان لمنح مالية تذهب لجيوب الفاسدين.
سيشكل التدخل العسكري في حالة وقوعه رصاصة الرحمة التي تنتظرها مجموعة دول الساحل G5 الذي يعتبر في حالة موت سريري بعد الانقلاب في مالي وبوركينافاسو والنيجر، وفي حالة قرر الغرب التدخل ستنحاز اتشاد لخيارات شعب النيجر وبالتالي وضع موريتانيا في موقف حرج جدا وإعلان تفكك مجموعة دول الساحل G5، وما يعني ذلك من تحديات أمنية وسياسة خطيرة، فرغم ما تبذله السلطات الأمنية والعسكرية في موريتانيا من جهد جهيد من أجل مراقبة حدودها مع مالي يبقى الخطر قائما بسبب طول الحدود مع الجارة مالي وحالة الفراغ الأمني في مثلث الحدود بين كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو، والذي تنتشر فيه جيوش داعش والقاعدة وغيرهما من المجموعات المسلحة والخطيرة التي بإمكانها أن تتحرك بسرعة هائلة من النيجر وحتى نواذيبو ومن كاصا ماص بالجنوب الشرقي للسينغال إلى صحراء اجدابيا بالجنوب الليبي، ومن لمقيطي شمال موريتانيا إلى ماقاديشيو، مما يعني تحويل منطقة الساحل وغرب إفريقيا ووسطها إلى منطقة حرب مفتوحة، وصراع نفوذ بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
ترى فرنسا أن منطقة الساحل والصحراء وإفريقيا عموما منطقة نفوذ أبدية لها، وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية أيضا لهذه المنطقة على أنها مجال مفتوح للتدريب والاستغلال ونهب الثروات.
ولنفس العين التي تنظر بها كل من آمريكا وفرنسا ترى روسيا أن إفريقيا مجال لتوسعها وإعادة مجدها الضائع من أيام الاتحاد السوفيتي!
ووسط هذا وذاك ترغب كل من الصين وبريطانيا وألمانيا المنطقة بشكل دقيق عن طريق مسح استخباراتي على مدى عقود وزرع عملاء داخل هذه الدول للاستفادة منهم في أي وقت، وهو ما تظهره تقارير الاستخبارات البريطانية والأمالنية والصينية حول المنطقة التي تعتقد أنها كنز من الثروات لم يستغل بعد بما فيه الكفاية.
وفي نهاية المطاف سيبقى الصراع بين الدول الكبرى مجرد سباق للحصول على مفتاح خزنة اليورانيوم والغاز والنفط في دول الساحل والصحراء، وسيستعملون في سبيل ذلك كل ما أتيح من الأسلحة الناعمة والخشنة وسيبقى الخاسر الأكبر في لعبة الكبار هم شعوب المنطقة، الذين إن لم يقتلهم رصاص و دخان الحرب سيقتلهم الجوع والتشرد والعطش.