تتراقص الكلمات أمامي وتتسارع العبارات فرحا بذكرك ياوطني، كم أنت جميل،وكم أنت حزين.
ترى هل حقا سترحل عنا معانيك؟
وطني ليس لي حول لأحميك،ولا قوة لأدفع عنك ظلم ذوي القربى،تباع بالأقساط وتدفع في الهبات. الكل يرى حمايتك من منظوره الخاص، والجميع يراعون مصالحك لأنك اليتيم في أرض اللئام. هي مصالح تشترك فيها النفس والهوى مع النظرة الضيقة لمفهوم الوطن مفهوم صار يحدد بالولاء لفلان أوعلان، وحب يعبر عنه حينما تكون هناك مصلحة في ذلك. وطني أحيي من خلالك رجالا رحلوا عن دنيانا بكل بساطة لأنهم أدركوا أنك رحلت،كان إيمانهم بوطن واحد يجمعهم في صف يقفون فيه من أجلك،فعنك قاتلوا، ومن أجلك تحملوا الصعاب،ماتوا ولم يخلفوا منازل شاهقة،ولا سيارات فارهة،رحلوا لأنهم أدركوا أن ثوابهم ليس هنا وأن مهمتهم قد انتهت. لاتقلي إن ماتنهشه آلة الفساد اليوم، وتتقاسمه ثلة من المرتزقة الذين لايعرفون معنى الوطن ولا يؤمنون بثقافة المواطنة هو أنت. وطني قلي بالله عليك إنك لست هنا،وإن الأرض التي عليها ليست هي أرض شنقيط، ولا أرض المنارة والرباط، ولا أرض العلماء الذين رفعوا اسمك عاليا لأنك تستحق أن تذكر. أجبني عن المثقف؟،عن السياسي؟،عن الشيخ؟،عما يقومون به من أعمال يعجز الصبية عن فعلها؟. لا تقلي إنك مارحلت،وإنما الأوفياء لك رحلوا. لاتقلي إن من يحكمونك لم يدرسوا يوما وهم على مقاعد الدراسة معنى أن يكون لهم وطن، بسمائه وأرضه،هم فيه شركاء يجمعهم الوطن، وإن اختلفت المآرب. لاتقلي إنك علمتهم أخذ مايريدون دون أن يدركوا أن عليهم واجبا هو أقدم من حقوقهم.. !. وطني ماذا أقول: أأكون كالنعامة حين يشتد عليها الخطب تدفن رأسها في التراب؟..... أم أكون طائرا بلا جناحين أغرد خارج السرب،قلي ياوطني إنك بخير ،وإنها سحابة صيف وتنقضي . وطني لست من محبي السياسية ،ولست أيضا من ممتهني بيع الضمائر.. أنا لاأريد سوى وطن لايشاركني فيه من لم تنجبه أرضي ،ولم ترضعه من مياهها العذبة الصافية. وطني أحقا صرت تباع في العلن،في الخفاء، في السراء،في الضراء.؟ تعلمنا أنك تباع لأننا لانستحقك، فأنت وطن جميل يستحق من يقدر ثروته،من يقدر أمنه واستقراره،من يدرك أهميته، لامن يراه من جانبه المادي المتمثل في دريهمات يبيع من أجلها الأب والأم الأخ والصديق . هي حقا نظرية نهاية التاريخ في أبهى تجلياتها، وإنعدامية الضمير في أبشع صورها حينما يقول"ماكلوهوم"إن التاريخ في نظره اقترب من نهايته، نهاية يرى ماكلوهوم أنه لامجال فيها ألا لعنصرين هم(البيض والشقر). أما وطني فالقوم فيه قد تجاوزوا النظرية، معلنين أن التاريخ ما أنتهى، لكن الوطن لم يعد يتسع إلا لفئة واحدة ،لافئتان كما يقول ماكلوهوم. هي فئة واحدة تجاوزت اللون والعرق، والقبيلة والجهة، واتحدت على نهب الوطن، تلك هي بطاقة الدخول فلا مجال فيها للوطنية ولا للنزاهة ولا ثم لا لمحاسبة الضمير. وطني هم قوم منا باعوك لكل راغب ،أعطوك في الهدايا ،وقدموك قربانا لنزواتهم،تارة لأنك لعنة يجب التخلص منها ،وأحيانا كثيرة يستكثرون علينا أن نهنأ بك،ونفتخر بالانتساب إليك وطني أصرت حقا تبحث عن أبناء جدد لأنك لم تجد فينا من يرغب فيك؟ أصارت بطاقتك رخيصة لدرجة أنها توهب كما يوهب سمكك وحديدك؟ وطني أنا التائه في صحرائك الجميلة، الباحث عنك في السهول والجبال . أنا يا وطني لست سوى ظمآن يلهث خلف سراب، لست إلا طفلا أعياه الصراخ فنام لأنه تعب . لست سوى رسام راوده خياله لعل الرسم يكون فيه متسع لصورة وطن لم يدركه إلا في خياله،وطن يكون الفرد فيه من الجماعة، والجماعة تهدف لخدمة الوطن . تغيرت البلاد ومن عليها، فلا الفقير ذاك الصابر المحتسب الذي يدخل الجنة لأنه لم يرق ماء وجهه، ولا الغني ذاك الكريم الجواد حاتم زمانه، ولا الوطن ذاك الحنون الذي بذكره تستنشق النفس عبير الحرية القادم مع رياح الجنوب . وطني ماهذه الطوابير الممتدة بلانهاية؟ . ذهول في كل مكان، ومرضى على أبواب المستشفيات، وعلى الأرصفة، جياع يصرخون، أطفال يموتون، أعراض تنتهك ، الكل لاه ، والناس جميعا في شغل ، أهي القيامة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه؟. لا ليست القيامة ،فتلك أرحم لهؤلاء . وطني مابالك؟ مالك لاتجيب؟ أنا لا أريد انقلابات جديدة، كلا، ولا أريد ثورات لا تحسب عاقبتها، لا ولا أريد حركات تصحيح يراد من خلالها الإجهاز على ما تبقى منك يا وطني . هي خلجات نفس جاشت في لحظة أدركت فيها أنني أبحث وطن عز علي لقاؤه .