إلي المثقف الموريتاني فقط : فيما يخص "#لا_تشكي_من_الدولة_عاونها" واقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم .. ترددتُ بعض الشيئ لكتابة هذ المقال لأن القرَّاء الذين قلة من يقرؤون مايزيدُ على تغريدة على شبكات التواصل. ومع أنني ضمَّنت بعض الأفكار التي سأتطرق إليها في كتابات أخرى متفرقة ، فإني سأفصِّل هنا على كل حال ، لعل هذا المقال تكون جامعا ويأتي بخير. سألني أحد الإخوة “كيف أساعد الدولة” وذلك تعليقا على الهاشتاگْ الذي أستخدمه من حين إلى حين "#لا_تشكي_من_الدولة_عاونها" فبعد أن شرعتُ في الإجابةِ على السؤال خطر لي أن أُشرك القرَّاء قليلا حتى أعرّضَ الفكرة للنقد.
في الحقيقة الجواب سيكون في ثلاثة محاور :أولًا لماذا أعتقد أن الدولة تستحق المعاونة من كل مثقفٍ أو متعلمٍ أو مهتم فاهمٍ. والثاني كيف لنا أن نعبر عن نياتنا في ذلك فعليا في خضم فوضى الآراء وحرية التعبير دون أن تفهم الدولة ومن والاها من المراقبين والسياسيين والمفكرين ومن عارضها من المعارضين أننا من المصفقين أو من المعارضين. والثالث وهو الأهم بماذا نعاون؟
في بحرِ "لِمَ تستحقُّ الدولة" فقد كتبت عن هذا آنفاً ، أن الحكومة الحالية و الحكومات الموريتانية السابقة فتية ولن تتضاعف احتمالية قدرتها على نقل البلاد النقلة التي يتمناها الجميع إلا بمشاركة الكثيرين و أولهم الخبراء والمثقفون الوطنيون و الدوليون بالإضافة إلى الكثير من الحظ والتصميم على النجاح حتى إن كانت نية الإبداع والجهد موجودة لدى الحكومة الحالية.
والسبب هو عدم وجود تراكماتٍ خبراتيةً وإدارةٍ للمعرفة مدونةً ومحفوظةً في الأنظمة الفنية أو في الأدمغة إن جاز التعبير وذلك لعدة أمور أهمها كثرة المتعاقبينَ على السلطةِ في فترة قصيرة نسبيا دونما وجود إطار حَكامي ثابت وصلب مع انعدام اليقظة الجمعية والسعة (incapacity) الكافيتين لمتطلبات القيادة والحكم والتطور خاصة من الإدارة الوسطى.
إن الحكومات الماضية و الحالية ليست عدوًّا كما يحلوا للبعض الإيماء إلى ذالك ولكنها تفتقد خبرة تفوق حد التمسك بالسلطة والتهدئة. مع أن تصرفاتها تتسم بطابع الارتجالية إلى حد ما بسبب الفتاء المذكورة وتحتاج أيما احتياج للمساعدة خاصة من لدن المثقف والخبير والعالم الموريتاني الواعي لهذه الحقيقة والمحب لبلده أكثر من النقد المصحوب بالغضب و الخالي من نية حقيقية للمشاركة والتغيير.
فحكومات بلد كموريتانيا غير قادرة على المضي قدما بالبلاد إلا بالوتيرة التي تسير عليها الآن (+\-) إذ تأتي هذ القدرة والخبرة عادة من تراكمات ناتجة عن فلسفة حَكامية ونظرية سياسية تجريبية مرتبطة بتاريخ وهوية الوطن ارتباطا مستقلاَّ عن مصالح الدول الأخرى ومستفيدا من تجاربها في هذا المجال. إن تجربتنا في هذ المجال مازالت في عنفوان شبابها وتحتاج إلى تكاتف الجهود والكياسة مما يدعو الي التفكير الملي وتشخيص الحالة التي عليها البلاد بإلاضافة إلى تصور الخيارات المحتملة. ففي نظري إن هناك ثلاث خيارات للتقدم لا رابع لها:
(أ) ثورة لا يدري أحد كيف تبدأ ولا كيف تنتهي ولا الثمن الذي سندفع مقابل ذلك. وتفاديها يبدأ وينتهي بامور عدة على رأْسها العدالة.
(ب) قياديٌ أو قيادة مبدعة وحازمة تستطيع أن تخلق طفرة ترسم بها طريقا إلى التقدم و تنتصر بها على الإدارة الوسطى في تمرير رؤية و برامج الدولة وتضمن بذالك التقدم المستدام.
(ج) استخدام ما أسميه بالقوة الكامنة للمثقف المتعلم والمهتم بالشأن العام في المصلحة العامة وهي قوة مستدامة نارية و سلمية في نفس الوقت نائمة و مستيقظة أحيانًا يحسِب كلُّ فطنٍ عاقل وكل قائد ذكي ألف حساب لها ولمَا يمكن أن تغيّر على أرض الواقع إيجابًا وسلبا وقد بدأت بالفعل بالتأثير علي أصحاب القرار والشأن العام حيث تظهر بوادر هذه القوة حاليا من خلال الصحوة المتمثلة فيما تمطر به شبكات التواصل من عدم الرضى أحيانا والغضب أحيانا أخرى.
يظْهَرُ لهبُ هذه القوة كلَّ ما تكلم المدونون و المعارضون ، مع أنهم لا يملكون لجامها. هذة القوة "المنسوخة" لارادّ لها - لاتوقفها التعيينات مهما كثرت ولا الصفقات مهما لُفِّفَتْ ولا شيوخ القبائل مهما بُرَّتْ- وذلك لأنها تنمو في قلوب وأذهان مئات الآلاف أو أكثر، تأخذ طاقاتِها النقديةَ للدولة والمجتمع من الواقع ومن المقارنة بالعالم الذي أصبحت حقيقته على العتبات و من المعرفة الكامنة في عالم الإنترنت اللاَّنهائي أساسا.
هذه هي القوة الفعالة التي يحسب السياسي والإداري الفطن لها ألفي حساب فهي تراقبهم وتكشف نواياهم وأعمالهم ومخططاتهم بجملة طولها ١٢٤ حرفا (تغريدة) أو خمس دقائق على فيسبوك لايف. سوف تستمر هذه القوه في الانتشار و التوغل حتى أقصى دروج المكاتب وكشف مخططات المفسدين والإداريين متوسطي المستوى و الكسالا ان جز التعبير.
هذه القوة بدأت بأخذ زمام الامور فعليا في توجيه السياسيين والإداريين على حد سواء ووضعهم على الطريق المستقيم وسلبهم من بعض سلطتهم الزائدة وعليه فإن السياسيين والإداريين سيبدؤون خوفا وطمعا إن لم يكنوا قد بدؤوا فعلا في العمل على تصحيح مسار العمل الإداري والسياسي حتى يتماشى مع المصلحة العامة للمواطن الفقير. واللذين يتغاضون هذه الحقيقة جهلا أو تجاهلا ستفاجؤهم رياح التغيير لا محالة وربما يدفعون الثمن.
في رأيي أن القائد المذكور يجب أن يقف إلى جانب هذه القوة و يفتح لها الأبواب بل ويشجع هو استخدامها لأنها كما قلت