يعيش الجرنالية من عمال اسنيم في مدينة الزويرات حياة مأساوية أقل ما يمكن وصفها به أنها أبهى تجليات العبودية في العصر الحديث، فمنذ سنوات وهم يطالبون بتفعيل قوانين العمل وتطبيقها عليهم ولم يتركوا بابا إلا وطرقوه، رسائل وعرائض مطلبية سلمت لكافة الفاعلين والسلطات المختصة، اعتصامات واضرابات ومسيرات احتجاجية كلها سلمية.
حجوا القصر الرئاسي على أقدامهم حتى بلغوا أبوابه، قطع لهم ساكنه ثالث وعوده العرقوبية –على الأقل- بإيجاد تسوية سريعة لكل مشاكلهم التي أعلن لهم تفهمه التام لها، كان قبل ذلك أكد في زيارته الأخيرة لمدينة الزويرات أن مشكل الجرنالية سوف يتم حله خلال الأسبوع القادم، وفي احدى حواراته مع الشعب أعلن أنه سيتم حل المشكل في الشهر القادم، لا الأسبوع ولا الشهر القادمين حلا ...
ظل المسئولون يتفادون لقاء المندوبين عن العمال وفي أحسن الأحوال يتسلم أحدهم عريضة مطلبية يعد بالنظر فيها بينما يفضل الوالي إرسال قوات الأمن للتكفل بإبلاغ العمال الرد المناسب على مطالبهم السلمية، قمع وتنكيل وكدمات وجروح واعتقالات هي الحصيلة التي يعود بها العامل إلى بيته في المساء بعد خروجه صباحا يطلب لقمة عيش كريمة وحق في الحياة يسلب منه شيئا فشيئا...
يعمل الجرنالية لدى شركات مناولة تعتبر الوسيط بينهم مع رب العمل الحقيقي الذي هو شركة اسنيم، تخصم هذه الشركات حوالي نصف الراتب الذي تمنحه الشركة لقاء العمل كأرباح خاصة بها في حين يبقى العامل الجرنالي بدون تأمين صحي او ضمان اجتماعي وهو ما يشكل مخالفة صريحة للاتفاقية الجماعية للشغل في البلاد، باختصار يقتات أصحاب شركات المناولة من عرق جبين العمال الجرنالية.
اليوم وبعد أن طفح الكيل علم العمال المعتصمون في مخيمهم في مدينة الزويرات أن الوالي الذي وعدهم بلقاء بعثة وزارية في الصباح قد غادر رفقتها تحت جنح الظلام نحو مدينة أطار، بدأت الاحتجاجات تتصاعد وشرعت قوات الأمن في ممارسة عملها المعتاد، لكن هيهات فقد قرر العمال هذه المرة الثبات ورد الصاع صاعين والبادئ أظلم...
جولة سريعة تمكن خلالها العمال من حرق مقر الولاية والاذاعة المجاورة له وبعض المقرات التابعة للدولة وشركة المناولة التي تشغلهم، بسط العمال سيطرتهم التامة على المدينة التي اختفت منها قوات الأمن تماما لكنه لم تحدث أية أعمال نهب وبقي المواطنون في منازلهم ومتاجرهم آمنين إلى أن تدخل الجيش لتأمين المدينة بطريقة حضارية وبدون أي احتكاك مع العمال الذين وعدهم أحد القادة بحل كافة المشاكل العالقة سريعا، وهي حسب علمي المرة الثانية التي يبسط فيها الجيش سيطرته على احدى المدن بعد اضرابات الخبز 1995، وقد تمكن الجيش من إرسال رسالتين مهمتين اليوم، أولاهما أن الجيش من الشعب ولا ينبغي لأحد أن يراهن عليه لقمع المواطنين بل إنه يتفهم مشاكلهم ويدعو لحلها، الرسالة الثانية مفادها أن الجيش لن يرضى بخروج الوضع عن السيطرة وسيتدخل لحفظ النظام عند أي إنفلات أمني وحينها قد يحدث ما لا تحمد عقباه.
رجع الوالي والوزراء وقادة الجيش والأمن إلى المدينة وبدأوا مفاوضات جدية هذه المرة مع الجرنالية لحل مشكلتهم، أصبح الجميع يخطب ود الجرنالية ويبحث عن أسرع طريقة لإرضائهم وتلبية مطالبهم التي أضحت بين عشية وضحاها الهم الأول للسلطات الحاكمة، لم يستغرق الأمر أكثر من بضع ساعات ليعلن فيها عن اتفاق يستجيب لأهم مطالب الجرنالية، تأمين صجي وضمان اجتماعي وتطبيق للمادة 57 من اتفاقية الشغل اضافة الى راتب شهر تقدمه لهم الحكومة كعلاوة نضالية وعدم متابعة أي طرف في الأحداث التي جرت...
بعد حل مشكلة جرنالية الزويرات سوف يعمد جرنالية انواذيبو وتازيازت وام سي ام والباحثون عن الماء والكهرباء والخدمات الصحية والناقلون وغيرهم من أصحاب الحراك المطلبي إلى التصدي للسلطات ومواجهة قمعها لهم، لن يقفوا بعد اليوم مكتوفي الأيدي يتلقون الضربات من هروات قوات الأمن وهم يهتفون سلمية سلمية تأسيا بحركة 25 فبراير وفلسفتها في حرب اللا عنف، فقد أثبتت السلطة حتى الآن أن العنف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها وسيضطر المواطنون إلى اللجوء إلى ذلك فالكي آخر الدواء وعلى نفسها جنت براقش.