العدالة هي العمود الفقري لكيان الدولة , فبدونها لا تنمية ولا استثمار و لا أمان و لا استقرار، فلا بد من فرضها ومن تدخل القضاء وحضوره باستمرار حتي يعي الجميع , وزراء , مدراء , إدارة ، مؤسسات عمومية و خاصة , انهم معرضون لمساءلة القضاء و المثول امامه وتطبيق الاحكام , وقتما تطلب الأمر ودعت الحاجة .
فلا بد من فرض العدالة علي الجميع و بالتساوي، فليس من الانصاف أن يسرق موظف الدولة من المال العام السرقة الكبرى فيطلق سراحه، ويسرق الفقير الشاة فيدخل السجن و... و ليس من الانصاف عرقلة الاستثمار و المستثمرين .
لقد كنا و لازلنا في ترويج مستمر لبلادنا ، و انها تنعم بالاستقرار ولله الحمد و انها غنية بالخيرات ، معادن ، اسماك ، زراعة ، انعام ، و انها ارض بكر للاستثمار في شتي المجالات , و ان شعبها , شعب طيب مسالم الي غير ذلك من الترويج لجلب المستثمرين .
ولكن لغياب العدالة و القانون وجدنا أن معظم هؤلاء المستثمرين رجعوا الي بلدانهم حاملين أثقالا من الشتائم و الانتقادات ، بسبب الفساد في الادارة وارتفاع الضرائب وأمور عديدة أخرى منفرة في البلد.
لقد اكتشف الجميع , مواطنون و مستثمرون أجانب ان موريتانيا ليست دولة واحدة انما هي دول في دولة ، فالميناء دولة و المطار دولة ، الجمارك دولة ، الضرائب دولة ، الصيد دولة , التجار ورجال الأعمال دولة .
شركة معادن دولة أخرى و فزاعة كبرى , تحصد من الأجانب و من المواطنين ملايين الدولارات , قرابة ثلاثين شركة تعالج التربة وتصفي الذهب , ادخلوا لشركة معادن ( فقط رسوم الميزان 8 دولار للطن المرحل ) و قد رحلت هذه الشركات ما يقارب 2 مليون و 700 الف طن , ليدفعوا للميزان وحده ( ميزان شركة معادن) 21 مليون دولار وستمائة الف , و لتصفي هذه الشركات 15 طنا من الذهب كأقل تقدير , فتقطع منهم شركة معادن حقها من الإنتاج الذي ارتفع الي %8 لتحصد رقما آخر إضافيا ضخما , 66 مليون دولار , و لتحتفظ بذهب الشركات عندها لمدة أسبوعين فتبيعه مستفيدة كذلك من فرق العملة الصعبة , تجارة و شطارة و أرباح مبالغ فيها و ضرائب مجحفة منفرة , جعلت المستثمرين , مواطنين وأجانب من أشقائنا السودانيين و اليمنيين يكرهون التعدين في موريتانيا , مع انهم هم الذين فتحوه وعلموه لأهل البلد , الا ان الضرائب و غيرها من العراقيل جعلت معظمهم يرحل الي بلدان اخري و منهم من تحول الي الزراعة , فلماذا كل هذه العراقيل في وجه الاستثمار و المستثمرين ؟ .
إيقافات و إصلاحات
لا بد من ايقاف التنقل بين الاحزاب , وفي المقابل , فلا بد كذلك من إيقاف التنقل بين الوزارات , وإيقاف ظاهرة الإقالة من منصب بوزارة الي التعيين في وزارة أخرى , عملية تدوير الوظائف " نفس الأشخاص " لماذا ؟ , ففي البلد أطر أكفاء كثر , ظاهرة جعلت الآخرين يتهمون البلد بإلغاء مبدأ العقوبة وابداله بمبدأ مكافأة المفسدين .
لا بد من إيقاف سب الشرائح وادراجه ضمن قانون حماية الرموز الوطنية، فسب شرائح المجتمع يعد من سب الرموز , فكيف يسمح لنائب برلماني بسب البيظان و يكررها باستمرار " لبيظين ، هذو لبيظنه" اويسمح له بسب لكور او اي شريحة أخرى ، وكيف يسمح لهذا البرلماني نفسه بارتكاب فعلته القبيحة بحرق كتب الفقه المالكي في عاصمة المذهب المالكي ، ويظل متمسكا بحصانته البرلمانية في حين تسحب الحصانة من نائب آخر لانه قام باسقاطات خاطئة, مع ان نيته وقصده ليس المساس بشخص فخامة رئيس الجمهورية ، و إنما هي زلة لسان قوية وخطأ كبير، فعلي النائب محمد بويه التوبة من ذاك الذنب , ألا و هو إعادة اسماع الناس ما قال المسيئ لنفسه او المسيئة في حق سيد الخلق عليه الصلاة و السلام .
لا بد من تقليص الفوارق بين رواتب موظفي الدولة, بدءا من رئيس الجمهورية و الجنرالات و الوزراء ، فلا معنى لهذه الفوارق الكبيرة في الرواتب , الجنرال مقارنة براتب عقيد و مقدم ، فجوة كبرى مئات الآلاف ، راتب الوزير الاول و الوزراء يفوق الامناء العامون و المدراء بمئات الآلاف ، و ابعد من ذلك ، فكيف يكون الفرق بين راتب بواب الوزارة و راتب الوزير, فرق بالملايين , فوارق قوية غير مقبولة ، وهي ظلم في حق الموظفين و قلة عدل و انصاف ، فالكل موظفون للدولة ، و الكل رجال ميدان بعضهم يخدم تحت الشمس و بعضهم يخدم في الظل و بعضهم يخدم تحت الظل و لنحسن الظن به , وانه ان شاء الله صالحا.
ايقاف التقاعد المبكر و تمديد سنين التقاعد لكبار ضباط الجيش و رجال الامن و الاطباء و المهندسين و الاساتذة و المعلمين و كل موظفي الدولة القدامى و الذين مازالوا يستطيعون مزاولة مهامهم , فالدولة لا زالت في حاجة لهؤلاء كي يأطروا هذا الجيل من الشباب علي الادارة و أساليب العمل .
فللأسف و لعدة أسباب و علي رأسها التعليم , فقد طلع هؤلاء الشباب بمستويات ضعيفة, لا يفهمون لا في الادارة و لا حتي في التخصصات التي يحملون شهاداتها , فتجد احدهم مهندسا و ما هو بمهندس , طبيبا وليس بطبيب ، دكتورا و ما هو دكتور , واقع حاصل، و لكن في الأمة خير و سيجتهد الأهالي ويسهرون علي المزيد من تعليم أبنائهم من هذا الجيل حتي يصبحوا مؤهلين لتولي الإدارة و تحمل المسؤوليات .
و لهذا ، فالدولة مطالبة بالإبقاء علي طاقمها القديم من الموظفين أمام هؤلاء الأطر من الشباب حتي يتعلموا الادارة و احترام مواقيت العمل وهيبة الدولة و الخوف من التلاعب بالمال العام لتفادي التعرض لعقوبة الدولة تجاه الموظف ، سوآءا كان وزيرا ، مديرا ، بوابا ، بدءا بحلاقة رأسه و خروجه لتنظيف شوارع العاصمة , الي سجنه , الي دفعه غرامة الي سحب رخصته , رخصة طبيب اسنان ، سحب رخصة جراح دماغ ، رخصة محاماة ، رخصة هندسة معمارية , سحب رخصة قضاء اذا ثبت تلقي صاحبها رشاوي ، رخصة مفتي اذا تلاعب بالفتوى ، رخصة امام مسجد اذا تهاون بنظافته و نظافة مسجده وهكذا حتي يستوعب هؤلاء الشباب مفهوم الدولة و الادارة و الصرامة في تطبيق مبدأي العقوبة و المكافأة , عندها ، يكون لتقاعد الجيل القديم معنى ، اما الأن فالوقت غير مناسب ، بل ان التمديد ضرورة لتماسك الدولة و استمراريتها .
ولتعزيز الرقابة علي المال العام و مشاريع الدولة ، فلا بد من انشاء مجلس عسكري رقيب , من ضباط الجيش و ضباط الصف من القوات المسلحة , فهي الكيان الوحيد المتماسك في موريتانيا ، يليها في التماسك شركة سنيم ، غير ذلك فقد عرف مدا و جزرا ، وستكون مهمة هذا المجلس العسكري متابعة مشاريع الدولة ، من بنى تحتية , طرق ، جسور ، وحدات سكنية ، مطارات ، منشآت حكومية ، والقيام بزيارات ميدانية للاطلاع علي مراحل تقدم المشاريع ومدى تقيدها بالجداول الزمنية , والتدقيق في التمويلات المخصصة و ما صرف منها ، واصدار التعليمات بأن اي خلل في ذلك ، فان الموظف المسؤول و صاحب المقاولة سوآءا كان مواطنا او أجنبيا يكون قد عرض نفسه لعقوبة قصوى من طرف هذا المجلس العسكري ، قد تصل للإعدام ، لأن التلاعب بالمال العام يعد جريمة كبرى وخيانة عظمي للبلد .