عاش الموريتانيون فرحة عارمة مساء الجمعة الماضي، وذلك بعد التداول الواسع لخبر يؤكد وصول السجينين محمد ولد صلاحي وأحمد ولد عبد العزيز إلى مطار نواكشوط على متن طائرة أمريكية.
ولأن الموريتانيين قد اشتاقوا كثيرا للأخبار السارة ، بعدما تعودوا في سنواتهم الأخيرة على الأخبار الحبلى بالمصائب والفواجع والأزمات، والتي تأتي بالتقسيط في أحيان قليلة، وبالجملة في كثير من الأحيان، حتى أصبحت الأحزان لا تغادرهم، إلا لتترك مكانها لحزن أكبر، وهمّ أعظم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أقول ولأن الموريتانيين قد اشتاقوا كثيرا لأي خبر سار، فقد أعطوا لخبر وصول السجينين ما يستحق من فرح، خاصة وأن ذلك الوصول كان قد تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ، ودون أن تسبقه أي مقدمات تبشر بقرب حصوله.
فرح الموريتانيون بالخبر الإشاعة فرحا كبيرا بعدما أكده السيد "مصدر خاص" لكل المواقع، وبعدما أكده أيضا السيد حمود ولد النباغه رئيس لجنة التضامن مع سجناء غوانتانامو لأكثر من موقع، وبنبرة لا تقبل الشك أبدا.
ولكن، وربما لعدم وجود أي علاقة من أي نوع بيننا والأخبار السارة، فما كادت تمر ساعات قليلة على تداول هذا الخبر السار، حتى بدأت الشكوك تأتي من هنا ومن هناك، خاصة من أهالي السجينين، ومن محامية ولد صلاحي التي نفت خبر إطلاق سراحه.
خلال كل تلك الساعات كانت وزارة الاتصال ـ وكعادتها ـ تغط في نوم عميق، وكانت الحكومة أيضا تغط في نومها العميق، وكانت الموالاة بدورها تغط في نومها العميق الذي بدأ منذ أن توجه الرئيس إلى باريس لإجراء فحوص، ولم نعد نسمع عنه شيئا، حتى الإشاعات فقد بخلنا بها هذه المرة، ولم نتحدث عن الرئيس، ولا عن غيابه، فلا مكالمات مسربة، ولا صور مفبركة، أو غير مفبركة، حتى سبت الإشاعات، لم يعد سبت الإشاعات الذي عرفناه، وذلك بعد أن أختار هذه المرة أن يكون فضاءً لإشاعات مرتبطة بإطلاق سجيني اغوانتانامو، بدلا من أن يكون فضاءً للإشاعات المرتبطة بالانقلابات.
ظلت الحكومة غارقة في نومها العميق إلى أن أطلت علينا الوكالة الموريتانية للأنباء لتعلن بأن السيد وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي قد استيقظ من نومه، وأعلن عن انطلاق مشروع عصرنة مدينة لكصيبة رقم 1. ومن سمع ذلك الخبر فربما يعتقد بأن لدينا عاصمة عصرية، أو ربما يعتقد بأن الحكومة قد انتهت من عصرنة أنبيكت لحواش، وعصرنة الشامي، أو من عصرنة ترمسه التي تركها كل من وجه شطر وجهه إليها ذات يوم، وجاءها مسرعا يلهث خلف سراب أو خلف سرب زائف من الوعود الكاذبة.
تزايدت الشكوك، وانتظر الموريتانيون من وزير الاتصال الذي عودهم أن يحدثهم في كل ما لا يريدون سماعه، أن يحدثهم هذه المرة عما يريدون فعلا سماعه، أي عن حقيقة قدوم السجينين من عدمه، ولكن الوزير لم يستيقظ من نومه، ولم يتلفظ بكلمة عن الموضوع.
كان البانتاغون أرحم بالموريتانيين من وزيرهم النائم، ومن حكومتهم النائمة دائما وأبدا، فأكد المتحدث باسم البانتاغون بأنه لم يطلق سراح أي سجين، منذ مدة طويلة، وأن عدد المعتقلين في السجن السيئ الصيت ما يزال كما هو، أي 166 سجينا.
عرف الموريتانيون حقيقة الأمر من الحكومة الأمريكية، لا من الحكومة الموريتانية، وظل وزير الاتصال يواصل صمته الذي يمكن تفسيره بأن الحكومة هي التي كانت وراء إطلاق الإشاعة، إذا ما أسأنا الظن بها، وأنها استنفرت كل مخبريها و صحفييها لإطلاق الإشاعة، وبثها على نطاق واسع، وذلك لكي تُشغل المواطنين عن قضايا أخرى، أو لتوجه صفعة قوية لما تبقى من مصداقية للصحافة المستقلة، حتى يفقد المواطن كل ثقته بتلك الصحافة، ويتوقف عن تصديقها، وعن تصديق كل ما تنشر من إخفاقات النظام، ومن فضائحه التي لا تتوقف أبدا.
أما إذا ما أحسنا الظن بالحكومة، وسنحسن الظن بالحكومة، فإنه يمكننا القول بأن الحكومة هي أصلا أكثر عجزا حتى من أن تطلق إشاعة، وأن كل ما أطلق من إشاعات قد أطلق والحكومة غارقة في نومها، وتم نفيه والحكومة لا تزال غارقة في نومها، وستظل هذه الحكومة غارقة في نومها، حتى يعود الرئيس، والذي لا نعرف متى سيعود؟
حفظ الله موريتانيا..