تعاني الاعداديات والثانويات في موريتانيا اليوم من رداءة البناء وسوء الصيانة، وغياب الأمن، وغياب المرافق الصحية، وغياب الكهرباء، وعدم الربط بشبكات المياه الرئيسية في حال وجودها، وغياب وسائل الاتصال، وعدم وجود موظفي الدعم ...
سأحاول وصف الحالة في بعض هذه المؤسسات، بدء بثانوية باڭودين حيث كنت يوم الخميس 30 مايو 2013.
يحيط بثانوية باڭودين سور متوسط الارتفاع تكفيه إضافة لبنتين ليصعب تسلقه إلى حد ما، ولكن النواقص الأساسية تكمن داخل المؤسسة. فثمانية من الفصول الدراسية البالغ عددها 11 لها أسقف من الزنك، ويمكن بسهولة تخيل درجة الحرارة داخل هذه الأفران الثمانية تحت الحرارة الحارقة على حدود لبراكنة الجنوبية الشرقية مع ولاية ڭورڭول. والنوافذ والأبواب في كثير من الأحيان لا تغلق، مما يؤدي إلى دخول كميات هائلة من الغبار وقت العاصفة، وهو غبار وسخ جدا ذو رائحة كريهة لأنه محمل بالفضلات التي تتراكم وراء سور المؤسسة وداخلها مباشرة تحت نوافذ الفصول الدراسية، وذلك لأنه لا توجد مراحيض خاصة بتلاميذ الثانوية، والمرحاض الوحيد بالثانوية يفتقر إلى الصيانة والنظافة وهو مخصص فقط للمشرفين والمدرسين، مما يرغم التلاميذ على قضاء حاجاتهم الطبيعية في العراء خلف سور الثانوية أو خلف الفصول.
وحمولة العواصف من الرمل الملوث تتراكم طبقات متراكبة في الفصول على أرضية كانت يوما من الأيام اسمنتية، لكنها في الوقت الحالي انمحت تماما وتحولت إلى غبار وسخ. وفي كل من هذه الفصول / الأفران، يتزاحم حوالي 80 تلميذا وتلميذة، إلى جانب جحافل الذباب التي تلتصق بجلودهم الغضة الصغيرة لتنهل من العرق المتصبب منها، فلا غرو والحالة هذه أن يصاب هؤلاء التلاميذ بكل أمراض جهازي التنفس والهضم ! ويتكون مبنى الإدارة من غرفة صغيرة تستخدم بمثابة مكاتب لكل من رئيس المؤسسة وإدارة دروسها ورقابتها العامة، وتستخدم كذلك كقاعة للأساتذة الذين غالبا ما يضطرون لافتراش الأرض محتمين من أشعة الشمس بظل أحد الجدران أثناء الاستراحة بين درسين.
وفي ثانوية باڭودين لا توجد مياه جارية، ولا توجد كهرباء لأن قرية باڭودين لا تتوفر على الكهرباء، وعند حلول الظلام لا يجد سكان القرية ما يضيء ليلهم سوى نور القمر والشموع أو مصابيح الزيت، لمن لم ينجحوا في الحصول على لوحة للطاقة الشمسية، وجميعهم يمعنون النظر من وقت لآخر بكثير من الغيرة في الضفة السنغالية من النهر لمشاهدة الأضواء المتلألئة التي تزين أصغر القرى السنغالية المتصلة كلها بالشبكة الكهربائية.
إنها استقالة الدولة بكل تجلياتها، لكن الغريب في الأمر هو عدم تحرك أبناء باڭودين في مثل هذه الظروف. من المؤكد أنهم يبذلون جهودا معتبرة، والمراقب العابر مثلي يستطيع أن يشهد على الأقل على المنازل الموضوعة تحت تصرف المدرسين، ولهم كل الشكر والامتنان لذلك، ولكن الوضع مقلق ويتطلب منهم تعبئة فورية حتى لا يحدث أبدا مثل هذا مرة أخرى!
سيدى إ. بديده