لا لم يعودا...
كان حلما راود الليل البهيم
بأن فجرا ما سيأتي حين يصلح ربنا أمر "العزيز"!
لا لم يعودا....
رحلة التيه التي بدأت بخوف من حنين الخوف
ما زالت تبارح أرضها
والليل منكسر العواطف ألثغ
والنائمون على الضنى يخشون من لغة الأزيز ..
كان مساء الجمعة الماضية استثنائيا بكل المقاييس، فقد وفر للموريتانيين الذين يعدون كل مساء حصيلة قتلى موجة الحر التي حصدت أرواح ما زيد على الثلاثين شخصا في مناطق متفرقة من الوطن، فرصة أخرى لقياس حجم "عرض" البسمات التي ارتسمت على كل وجه وهو يسمع من كل "مؤسسات" الصحافة في بلاده أن موريتانيين اثنين كانت أمريكا تجرب فيهم آخر ما وصلت إليها إبداعات محققيها من فن "الإذلال" وصلوا إلى بلادهم ـ هكذا فجأة ـ وبدون أدنى مقدمات.
لم يكن الخبر بالبسيط فمن يتوقع أن يعود سجينان بحجم محمدو ولد صلاحي وأحمد ولد عبد العزيز وهما اللذان دأب الإعلام الموريتاني خلال الأيام الماضية على الحديث التراكمي المدون للمسيرات والمطالبات المتتالية بالتدخل لدى الأمريكيين للإفراج عنهما خصوصا وأن حكومات بلادنا المتعاقبة على سدة "الحكم"، تعاني جفافا عاطفيا يدفعها بقوة إلى ألاّ تفكر في لحظة واحدة في أن "تفكر" في رسم بسمة ولو مسروقة على شفة مواطن.
سال الكثير من المداد مزاحما الكثير من الدموع التي انهملت من أعين الأهالي في باسكنو وفاصلة و كيفة وازويرات ونواذيبو وأطار وشنقيط وتجكجة و بوغي وكيهيدي وامبود وباروكيول وألاك ولعيون والطينطان وأكجوجت وكيدي ماغا وبوتلميت وأندومري و بلغربان و أنعيمة ولبير وروصو،راسما لوحة تناغم نادرما بين سواد المداد وسواد الرؤى وبياض الدموع وبياض الأمل الذي أحياه قدوم فارسين دفعهما دداهي ولد عبد الله حين كان "يدفع" إلى السجن، ودفعته "تازبوتُ" أهلهما إلى أن لم يجد نفسه في خضم موجات رحيل الذين صنعوه. كانت ليلة ليلاء تلك الليلة التي أقسم فيها البعض على أن طائرة أمريكا سلمت مواطني موريتانيا الثلاثة ( ثالثهم أبو يونس كان معتقلا في باغرام ) إلى سلطات البلاد وأن مخابرات موريتانيا أخذت ثلاثة من بينهم قصير قامة إلى مكان ما حدده بعضهم في أحد أحياء "تفرغ زينة"، غير بعيد من شيء ما، وذلك في إحالة قوية إلى تكامل الرؤية وتأكدها لدى الجميع حتى أن صحفيا واحدا "مهنيا" ـ إن وجد ـ لم يستطع أمام قوة إعصار الشائعة إلا أن ينحني كي تقنعه بحقيقتها .
جاء فجر السبت فاتح يونيو ، ولفح سموم نواكشوط ما زالت تغريه وجوه الذين يسعون إلى الحفاظ على "ألوانهم" وإن كانت الحدة أخف من الأيام الماضية، إلا أن ثمة وجوها لم تستطع ـ رغم كل ما بذلته ـ أن تحافظ على ألوانها ناصعة فرط ما سودتها بكذبة غزت كل قلب موريتاني وأقنعته لتدفعه ولو لمرة واحدة إلى إحساس بالفخر يحتاجه أكثر من حاجته للماء، إنها وجوه الذين بان أنهم كانوا وراء بالون الخديعة الذي تفجر في سماء نواكشوط.
كانت الساعات الأولى من صباح السبت كفيلة بأن تزرع الشك في قلوب الموريتانيين، حين بدأت الصحافة تتحدث عن عدم "مصداقية" بعض المعلومات التي نشرتها بخصوص الإفراج المعتقلين قبل أن يؤكد مصدر رسمي لصحيفة محلية لا صحة النبأ، وأن يختتم البنتاغون الأمريكي جوقة العزف اللعينة بتأكيده نفي الخبر، ...و ولد "النباغ" ما يزال يتحدث عن مصادر من الخطوط الجوية ومن مطار نواكشوط... الله يهديك يا شيخ!!
درسان يجب أن نأخذهما من هذه الكذبة التي ملأت الآفاق، أولهما أن ولد صلاحي وولد عبد العزيز سيعودان إلى نواكشوط ذا فجر أبلج وهما يلوحان بشارة النصر رغم أنف المتاجرين بالحلم والمتجرين بالأمل والباعثين على الألم، والثاني أن الذين يسعون إلى إثارة الرأي العام أو صرفه عن شيء معين كي يدار شيء آخر لا يمكن أن يجدوا الوقت الكافي لذلك في ظل حقيقة أن مجتمع البيظان "منفرج" أكثر من اللازم ولا يستطيع أحد أن يملأ "مزوده" إلا مرة واحدة.
لا لم يعودا
إنه فجر كذوبٌ ذلك الفجر الذي قد مر من تحت الظنون
والمترعون بحبهم لله لا يدرون كم فجرا سيمضي
كي نرى فجر السنين
لكنهم في غمرة الوجع المُجالس يدركون بأنه آتٍ
وأن الليل لا يمضي سدى....