الإعلام... و السلوك المدني الانتخابي: الحاضر المثير و الغائب الكبير / الولي ولد سيدي هيبه

altعلى الرغم من المجهود الكبير الذي بذلته و تبذله، منذ أمد على وتيرة لا انفصام فيها، السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية (الهابا) في إطار سعيها الدءوب إلى الاضطلاع بمهامها الكبيرة المتشعبة و الهادفة في شق منها إلى الرفع من مستوى الإعلام في شكله و مضمونه و أهدافه و أبعاده،

 و إلى حمله على لعب دوره كاملا في عملية بناء الثقة بينه و بين المواطن الذي ينتظر منه أن يكون عينا ساهرة على انضباط كل مسلكيات الإدارة و السلطة و الأحزاب و المجتمع المدني و المواطنين، كل في خصوصياته، مع متطلبات دولة القانون و الحريات الرشيدة و انسجامها بالنتيجة مع روح السلطة الرابعة التي يراد لها أن تكون في ظل خيار المنهاج الديمقراطي للبلد.

و لقد كان هذا الإعلام ، بكل ما تكشف عنه من هشاشة في التعاطي مع روح و محتوى كل حلقات الموضوع العام الذي يند رج  تحته، الحاضر الغائب خلال الأيام التفكيرية المنعقدة يومي 03 و 04 في فندق "نوفوتبل اطفيله"  بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية بحضور سفارة المملكة الاسبانية و ممثلين عن الأحزاب السياسية في الأغلبية و في المعارضة و جمهور كبير من أصحاب المؤسسات الإعلامية و الصحفيين، المنعقدة حول موضوع بالغ الأهمية علما بأن البلد على أعتاب خوض انتخابات تشريعية و بلدية شاملة؛ موضوع يدخل في صلب اهتمامات و مهام السلطة العليا التي تسعى من خلاله إلى تمكين العاملين في حقل الإعلام من لعب الدور المنوط بهم خلال هذه الاستحقاقات فيسهموا عن بصيرة ثاقبة و مهنية مكتسبة في فرض التوازنات الضرورية و إنجاح تلك الحلقة من المسلسل الديمقراطي لخير البلاد و العباد.

في هذا السياق قال رئيس السلطة العليا للصحافة و السمعيات البصرية حمود ولد امحمد في خطاب الافتتاح لهذه الأيام التفكيرية "إنكم تدركون الدور المنوط بالإعلام في مجتمع ديمقراطي و تعددي خصوصا ما يتعلق بتنوير الرأي العام و ترقية السلوك المدني و تثقيف المواطنين و إرشادهم إلى المشاركة الصحيحة و البناءة في الانتخابات بما يوفره الصحفيون من الأخبار و من الإرشادات العملية التي يستأنس بها الناخب في اتخاذ قراره و تحديد خياره الانتخابي بناء على أخبار يجب أن تكون صادقة موضوعية و محايدة".

جاءت العروض في مجملها متنوعة و دقيقة الترابط و التكامل في سياق المضمون العام لهذه الأيام التفكيرية المنظمة تحت عنوان "الإعلام و السلوك المدني الانتخابي"؛ و إذ السلوك المدني قبل و أثناء و بعد أي استحقاق هو جزء جوهري في الطبع العام الحضاري المفروض أن يطبع كل محافل السياسة و الفكر و السلوك المجتمعي، فقد حدده و مهد له الشرع أولا  و المدونة الأخلاقية العالية التي انبثقت عن قواعده و تعاليمه السمحة حتى يظل الناس فوق إغراءات الأهواء و نوازع و غرائز الظلم و الاستكبار و هي كلها الملجمة بذلك. و فيما كانت العروض قيمة في محتواها، رصينة في منهجيتها و متكئة في التناول على النظريات العلمية الأكاديمية القويمة في بعضها كالعرضين الأولين:

- الخطوط العريضة للقانون الانتخابي الموريتاني، المزايا و التحديات الذي قدمه داهي ولد محمد الأمين، أستاذ قانون  بجامعة نواكشوط، - و الوعي المدني الانتخابي، المفهوم، الأبعاد و الرهانات الذي قدمه الدكتور البكاي ولد عبد المالك، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة نواكشوط؛  و على الفنية البنيوية "الكرتيزية" في العروض الثلاثة الأخيرة: - العرض عن الثقافة الديمقراطية و التهذيب المدني من خلال وسائل الإعلام في فترة الانتخابات قدمه

Le Rénovateur الصحفي التجاني ادياه، مدير جريدة "لرينوفاتير" - و العرض حول النفاذ إلى المعلومات و أثر الإشاعات أثناء الحملة الإنتخابية، القدم من طرف محمد الهيبه ولد الشيخ سيداتي، صحفي مدير موقع الأخبار. - و العرض عن الريتورتاج الانتخابي المقدم من طرف ميمه بنت أحمد رئيسة اتحاد إعلاميات موريتانيا،

لم تتخذ على وجه العموم مداخلات الإعلاميين المعنيين التي أعقبت العروض ذات سياقها و لم ترق بذلك إلى المستوى الذي كان متوقعا من الإثارة و الإثراء و كأنها كانت الجعجعة التي لا يعقبها الطحين و لتخرج بذلك في أحيان كثيرة عن سياق هذه العروض و مضمونه و جوهره و أبعاده و تصبح إلى ذلك الحال السبب و السبيل المفتعل لإثارة الحفيظة و إدراج هموم أخرى معشعشة في الأذهان على بساط التناول، فيما ركبها السياسيون موجة دفعوها دفعا لـ"حوار لا حوار" لا غنى عنه عوضا عن الحوار الذي لا حاجة إليه حتى لا يكون؛ و لقد كانت القاعة تضج بعد كل عرض بهذين الوجهين "المعقبين" على افتراض مقصود بأنهما المستفيدين المستهدفين على حد سواء لارتباط الإعلام بالسلوك المدني الانتخابي السياسي في كل ما من شأنه أن يسهم في السعي العام إلى إعداد هذا السلوك المدني اللازم حتى يصبح جزء لا يتجزأ من كيان و شخصية الأمة و يشكل إعدادا رفيعا لغايات تحقيق الديمقراطية في كل تجلياتها و متطلباتها و أهدافها و المدنية التي تصل برقيها إلى كمال هذه هذا السلوك الحضاري و الوصول به إلى حد إشاعة ثقافة الأمن و الاستقرار المترتبة عنه حتما.

ما زال الإعلام في عمومه و على ما هو عليه من انفصام بين  ما يفرز و ما يريد ضعيفا مشتت الرؤى و المناهج بالنظر إلى ما يحيط به من عقليات ما زالت عصية على التحول و تأبى ركوب قطار العصر السريع  و  كذلك إلى ما يحركه في فوضوية مشهده العام من "غرائز" عفا عليها الزمن و من "مسلكيات" أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها "تسلبه أكثر مما تجلب إليه" و في تناقض شديد مع روحه العازفة في معدنها الخالص عن وضيع الماديات إلى نبل المقاصد و بناء المجتمعات الواعية لمتطلبات توازنها و استقرارها. و ليس الإعلام بهذا المستوى، من الانفصام عن روح عنوانه و جوهر كيانه، بمعزل عن كل الأوجه الأخرى لقوى العطاء للبلد – و التي من المفروض أن تكون حية- من نسيج سياسي خائر العزائم و ضعيف الخطاب و مجتمع مدني "انتفاعي" على أساس من "التموقعات" السلبية و الهدامة إلى نسيج "مواطني" إن جاز التعبير يعاني تحت حصار جائر من كل هذه الأطراف...

و يبقى كل الأمل معقودا على الجبهة الخفية من الجنود "المهمشين" الذين يعضون بالنواجذ على أخلاقيات مهنة آمنوا بها و آلوا على أنفسهم أن يحفظوها من شر كل الدوائر التي تتربص بها و منها الشائعات عملا بها و إضرارا و التي تقتات في كل أوجهها على الخدوش من جراء الضربات الموجعة لجسم هذا الإعلام الصامد... و لكن ما بعد الليل مهما طال و اشتدت ظلمته إلا انبلاج الضياء الذي يبددها.  

8. يونيو 2013 - 23:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا