لهذه الأسباب يستاء " اصحاب المعالي " :
منذ أيام وأنا افكر في إعداد حلقة من برنامجي ( بوصلة ) وذلك للحديث عن تضخم المفاهيم في الطور الاجتماعي لكن التسويف ظل يشاركني الوقت .
قبل قليل خرجت - كالعادة - في فسحة فيسبوكية للمرور على أماكن (صفحات) مألوفة للمواعدة ببن الجمال والعقل .
أحتاج " صالون الأربعاء " على صفحة والدي صاحب المعالي محمد فال بلال لأسباب اعتقد أنها نفسية .
فأنا من جيل أدرك الرمق الأخير للمعنى فعاش حياة مقلوبة ، جيل عاصر الجد اثناء الطفولة وبلغ اشده في زمن التفاهة .
فنحن لم نجد الوقت الكافي لإتقان مبادئ الرشد ، وحين بدأت التفاهة كنا قد تجاوزنا طور التأثر الفكري فتوقف نمونا العقلي .
لذلك عجزنا عن امتلاك الربادة الفكرية والأخلاقية للأجيال السابقة لنا ، ولم نفلح في تجارة الوقاحة والتفاهة المربحة للأجيال التي تلتنا .
لم يبق أمامنا غير ما يتبقى من عمر المتقاعدين ، لذلك نخرج في فسحة رمزية للمقاهي الأدبية والسياسية المتاحة مجانا على رصيف هذا الفضاء علنا نسترجع بعض أرواحنا المهاجرة من زمن إلى آخر دون قضية .
هذه وشاية غير مريحة بالتأكيد لكنها واقعية .
كنت أتفهم هذه المعاناة باعتبارها معاناة حصرية لكل الأجيال المخضرمة التي " سقطت " بين زمنين .
لكن أثناء قراءتي لحديث هذا الأربعاء على صفحة والدي محمد فال بلال ، فوجئت بأن التتفيه أحدث دمارا يتجاوز أجيال المخضرمين .
فحديث صاحب المعالي عن تمييع المفاهيم يشي بمعاناة يكابدها الرجل الذي تجاوز ضغوط الدبلوماسية والسياسة والمجتمع بهدوء لافت ، بينما استطاعت " وخيرت " الجديدة أن تستفزه وتقتاد أسفه إلى مقبرة المعنى .
لقد فقدت المفاهيم ألقها ومعناها واصبحت مبسوطة على كل رصيف كأدوات التجميل المقلدة والمسرطنة .
مول ( دكان ثلاثة امتار في ثلاثة امتار )
مجمع تجاري ( بتيك سقط )
بازار ( بتيك خردوات )
موسيقار ( شاب بالكاد ييتطيع العزف على آلة واحدة )
العلامة ( شاب تخرج للتو من كلية أو معهد شريعة )
الأديب ( باط )
المناضل و السياسي المحنك ( رجل اعمال )
فندق ( اربع شقق مفروشة بلا مطعم ولا مراسل بلا عنوان )
شاليه ( جونگيات على الشاطئ )
مثقف ( حد كيفي انا )
والقائمة طويلة جدا
من المؤسف أن نعكر صفو رجل كولد بلال ونستبيح ذاكرته المفاهيمية ، وهو الذي جاب العالم وحدث المثقفين وجالس العلماء وفاوض الساسة وحضر الحفلات الموسيقية في اوج ازدهار الفن وتسوق في البازارات والمولات وشاهد المجمعات التجارية وسكن الشاليهات والفنادق وحاور الأدباء ورافق وصادق المناضلين ...
والأهم من كل ذلك أنه يعرف جيدا معنى " وخيرت " قبل ان تكون " كبيرة ومتومية "
وهو إلى ذلك من " اصحاب المعالي " القديمة