سلبيات الزمن الردئ / عبد القادر ولد الصيام

أثار المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس المجلس العسكري الكثير من التساؤلات , ووضع النقاط على الحروف في كثير من القضايا المهمة –والتي كانت حتى وقت المؤتمر مثار الكثير من الجدل والتكهنات – بالنسبة للمواطن العادي والفاعلين السياسيين والمهتمين بشؤون البلد.

وقد أثير الكثير من مسائل المؤتمر وتم نقاشها و الرد عليها باسهاب من أفراد وجهات متعددة, لكني أعود -هنا – للتركيز على مضامين المؤتمر -جملة- والتي تعبر –في اعتقادي- عن "خطورة الوضع الراهن" للبلاد بل و"غموض" مستقبلها نتيجة لأفكار الجيش طبقا لتصريحات رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية.

وأول ما يلحظه المرء –في هذا المؤتمر- هو محاولة رئيس المجلس العسكري القاء اللائمة على كل الأنظمة المتعاقبة و اتهامه لها بانتهاج "منهج الأحادية" والتفرد بشؤون الحكم وتفريغ الدولة من مفهومها وتحويلها الى "دكان" أو"بقالة" أو حتى "مخبزة" للحاكم وأعوانه!!, وقد بين سيادته أن السبب الرئيسي لانقلاب الثالث من أغشت كان محاولة لانقاذ البلاد من تراكمات المراحل السابقة , داعيا النخب الى المشاركة في صنع المستقبل الواعد وتجاوز "سلبيات الزمن الرديء" سالف الذكر. لكنه -وكما سنرى لاحقا- لم يحدث تغيير كبير في مواصفات "الزمن الردئ" الذي دعا سيادته الى تجاوز سلبياته , ناسيا –أو متناسيا- أنه هو وكثيرا من أعضاء "المجلس العسكري" كانوا مدافعين -ان لم يكونوا مكونين وصانعين-للأنظمة السابقة , وخصوصا نظام العقيد معاوية ولد الطايع, مما يعني مشاركتهم - وربما مسؤوليتهم- عن بعض ما حصل فيه من اعتقالات و احتكار للمشروعية وتنغيص على المواطنين ونهب مدخرات البلد.....

واذا افترضنا جدلا وقبلنا أن الانقلاب جاء ليكون توبة وندما وقطيعة مع الماضي -وهو ما نفترضه حتى يثبت العكس وتتضح الصورة أكثر- فان ذلك ليس مبررا كافيا للحكم على الانقلاب وقادته بأنهم ابطال وصانعوا تاريخ!,فهل تمحوا توبة شهرين اثم عشرين عاما؟!وما الذي تغير حتى نجزم بان موريتانيا صارت أفضل من ذي قبل؟؟؟

صحيح –والحق يقال- أنه تم اطلاق سراح الكثير من السجناء السياسيين والعسكريين وبعض الأئمة وغيرهم من المظلومين ,كما تم تعيين مسؤولين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ....,لكن الكثير من "سلبيات الزمن الرديء" لا تزال موجودة , بل ربما تتجذر أكثر وتأخذ طابع " المشروعية " نظرا لما حصل عليه الانقلاب من تأييد وترحيب بين أوساط الشعب وقادته السياسيين أملا ببزوغ شمس يوم يعيش فيه الناس بحرية وكرامة ويتفيأون فيه ظلال العدالة والديمقراطية!

ان حديث رئيس المجلس العسكري عن رفض المشروعية السياسية والترخيص لحزب "حمد", وكلامه حول الفساد الاداري والمالي وحكمه -المبدئي- بعدم مساءلة أو معاقبة السارقين, وتجريمه للأئمة المعتقلين قبل محاكمتهم قضائيا, وذمه للشعب ووصفه له ب"الطفولة الفكرية" وترحيبه بعودة "الرئيس المخلوع", وحديثه عن المديونية الخارجية للدولة واستغراقها لمداخيل النفط عامين, أمور كلها لا يمكن الا أن توصف بأنها من سلبيات "الزمن الردئ" والذي دعا سيادته الى تجاوزه واستشراف مستقبل واعد وجميل, ولعلنا نقف عند بعض هذه الصفات (السلبيات) باختصار غير مخل وتفصيل غير ممل ,توضيحا للحقيقة ودفاعا عن الوطن والأمة.

أما رفض الترخيص ل"حمد" فقد اعتمد فيه سيادته على "الاشاعات" وهي ليست من الظنيات –أحرى القطعيات- التي يحكم بها, وهو منهج لا تؤسس عليه الدول ولا تساس به الشعوب ولا يليق بأمثاله من "السادة والكبراء", كما أنه تدخل –غير قانوني- في مجرى قضية قانونية لها جهاتها المسؤولة عنها ادارياوقضائيا,وهو -أيضا – اندراج في " سلبيات الزمن الردئ" اذ أن رفض الترخيص لحزب "الأمة" و"حمد" حصل أيام "العهد البائد", كما تم -فيه- حل حزبي "اتحاد القوى الديمقراطية" و"العمل من أجل التغيير"! فأي فرق بين الليلة والبارحة؟ و أين شمول العدالة لكل أطياف المشهد السياسي الموريتاني؟وهل يؤكد هذا أو ينفي تصريح سيادته :" أن موريتانيا ظلت نشازا في المنطقة حيث المغرب مملكة دستورية والجزائر ومالي والسنغال لها آليات تداول السلطة" أم أنها ديمقراطية الجيش يفصلها بمقاسه و يمنحها لمن شاء ويمنعها من شاء؟؟

والشيء الأكثر غرابة في حديث معاليه كان عن "الفساد الاداري والمالي", وقد كان حريا بسيادته-وهو يستمع الى التقرير المالي المفزع للوزير الأول عن افلاس مؤسسات الدولة ومديونيتها- كان حريا به أن يظهر وجها عسكريا و"خطة" انقلابية لتصحيح المسار ويشكل لجنة لتقصي الحقائق ومعرفة كيف ومتى والى أين تم تهريب هذه الأموال؟ أو تكليف "ادارة مكافحةالجرائم الاقتصادية والمالية" بالملف, وليست عبارة :" من سرق سرق لن نعود لنبش الماضي" الحل الأمثل , بل هي تشجيع لمن سرق على العودة الى ما لم يسرق, و تحريض لمن لم يسرق على الانضمام لموكب"الشرفاء"من السارقين! ولو أخر سعادته البتّ في ذلك للحكومة المدنية المقبلة لكان أبدع وتصرف وفقا للمصلحة, أما تبرئته للمختلسين والمرتشين فهي تبرئة غير مقبولة -شرعا- ولا مستساغة -قانونا- و لا تخدم المصلحة الوطنية, والحقوق لا تسقط بالتقادم.

أما حكمه المسبق على الأئمة وطلاب العلم المعتقلين ظلما وعدوانا بأنهم "مجرمون" فهو "تجريم سياسي" كان مختلسوا الأموال العمومية أولى به, وربما كان توشيح الرئيس المخلوع به أجدى –ان رأى سيادته ذلك عدلا!!-, ولعل سيادته يتذكر بعضا من "سلبيات الزمن الردئ" حين كان "الأئمة" والعلماء الناصحون يقضون الكثير من فترات السجن والخضوع للتحقيق والاهانة في ظل النظام البائد,فهل تغير الحال؟ وقد كان أسلم لسيادته الخضوع لحكم قاضي التحقيق بالديوان الاول (صال عليون) الذي برأ هؤلاء وأمر باطلاق سراحهم لعدم وجود أدلة ضدهم ولتجاوزهم لفترة الاعتقال القانوني ,أو الخضوع لحكم محكمة الاستئناف التي أكدت الحكم بعد استئنافه من طرف النيابة !, لكنه تدخل عسكري في مجريات العدالة وهو أمر مضر بالديمقراطية ومخل ب "الفصل بين السلطات" وتجاوز للصلاحيات لا يليق بمقام "المصلحين المغيّرين".

أما عودة الرئيس "المخلوع" وتأكيد معاليه لمعاليه على الترحيب والتكريم فهوأمر يثير من التساؤلات والألغازأكثر مما يثير غيره!؟ فاذا كنتم يا معالي الرئيس ترحبون بالرئيس السابق فلماذا أطحتم به؟وهل جئتم لانقاذه من مأزق المحاولات الانقلابية؟ وما يترتب عليها من تعريض حياته للخطر؟والدعاوى والمحاكمات القانونية الناتجة عنها؟أم كان الأمر" مخرجا استراتيجيا " لكم وله تكسبون به مشروعية ومجدا وتنقذونه وأعوانه وأركان نظامه من سخط الشعب والتبعات القانونية المترتبة على ذلك؟ .. سيادة الرئيس :ان معاوية ليس مواطنا –كغيره من المواطنين- كما ذكرتم- بل هو مواطن أذاق المواطنين سوء العذاب , واستأثر عليهم بكل شئ حتى وهم جيرانه في العاصمة ضن عليهم بزيارة تفقد واطلاع!!,كما ضن على فقرائهم في أحياء الصفيح بالماء والكهرباء, وقسم أموالهم و مؤسساتهم بين أعتى السارقين و أشد الظالمين وأسوء المتنفذين!فمن يسمح له بالمجئ يعرضه للانتقام و يعرض نفسه للاتهام..فالله الله في أنفسكم وفيه ان لم يكن للشعب فلكم وله .

ان التغيير نحو الأفضل لا يكون بالشعارات ولا بالتمني, ولكن بتجاوز سلبيات الماضي والتخطيط والعمل الجاد لمستقبل مشرق يؤسس له- من الآن- على أسس سليمة تخدم المواطن وتصون كرامته وتؤدي الى استقرار حقيقي للمجتمع , تتوفر فيه الخدمات و الحاجات الأساسية(الروحية والمادية والثقافية) للشعب وتسود فيه الحرية المطلقة و العدالة الحقة والديمقراطية الشاملة, ولايحتكر فيه غني على فقير ولا يظلم فيه قوي ضعيفا ولا يسجن فيه عسكري مدنيا , فهل تحققون التغيير المنشود سيادة الرئيس؟ .

انكم ان فعلتم ذلك -وهذا هو الظن- فسوف تدخلون التاريخ من بابه الواسع ولعل الله يعفو عما سلف , وان لم تفعلوا فما أظن الأمر الا دورة جديدة من دورات "التحكّم والتسلّط" والصراع على الكرسي ونفخ الروح في "سلبيات الزمن الردئ " حيث ينخدع البسطاء ويتساقط الضعفاء و يستريح الخاملون من تحمل أعباء الحق ويهادن النفعيون .. ويتصارع الثيران فوق السجاد الاحمر.... وقى الله بلادنا كل شر. 

10. أكتوبر 2005 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا