نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا تحليليا تحت عنوان " لماذا يتودد أو يُغازل الجميع موريتانيا"، وللإجابة على هذا السؤال، حاول المقال تتبع المسار السياسي والأمني والاقتصادي للبلاد في السنوات الأخيرة، معتبرا أن كلا من الصين وروسيا والناتو والقوى الإقليمية، يتطلعون فعلا إلى علاقات أوثق مع البلد الذي وصفه المقال بالمستقر والذي يحظى بثروات طبيعية هائلة تتمثل في إمدادات كبيرة من الطاقة، كما يتميز بموقع استراتيجي هام.
وفي هذا الصدد، أشار المقال إلى لقاء رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بنظيره الصيني في 28 يوليو في مدينة تشنغدو الصينية، وهو اللقاء الثاني في غضون ثمانية أشهر مذكرا بلقاء الرئيسين في قمة الصين والدول العربية في الرياض بالمملكة العربية السعودية، في ديسمبر 2022. والذي نتج عنه توقيع اتفاقيات في مجالات الزراعة والصيد والطاقة النظيفة، بالإضافة إلى إلغاء جزء من ديون الصين على موريتانيا. المقال رأى في نفس السياق أن توقيت تودد الصين لموريتانيا حمل دلالات مختلفة وتزامن بشكل غريب مع انقلاب النيجر الذي تبعته زيارة وزير ألماني و14 زيارة أممية للبلاد والتي عكست امتنانا وإشادة بموريتانيا لقبولها استضافة 100 ألف لاجئ من البلدان المجاورة.
واعتبر المقال أن هذه الزيارات، تؤكد على مكانة موريتانيا كوجهة وحيدة للاستقرار السياسي النسبي في منطقة الساحل، والذي حسب رأي كاتب المقال، يتكون من أنظمة تقودها مجالس عسكرية في كل مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر، كما أن " هذه الزيارات " تعني أيضا وجود منافسة جيوستراتيجية متعلقة بموريتانيا، البلد الذي غالبا ما يتم تجاهله، وهي منافسة يرى المقال أنها تدور حول احتياطيات الغاز الطبيعي في موريتانيا وإمكانات الطاقة النظيفة التي توفرها بيئتها الصحراوية -ناهيك عن موقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي، مستشرفا أن هذا التودد أو المغازلة من طرف قوى عظمى وأخرى إقليمية، يمكن أن يمتد حتى يصل إلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب و تطوير الهيدروجين الأخضر ومن المرجح أن يتعزز إذا قررت الإيكواس التدخل عسكريا في النيجر، وبالمحصلة فإن تحول موريتانيا إلى ملاذ آمن في منطقة الساحل المضطربة وضعها في مرمى تنافس محموم بين القوى الخارجية.
أشار المقال أيضا إلى زيارة الرئيس الغزواني مقر حلف الناتو مؤكدا أنه أول رئيس موريتاني يزور هذا المقر وتفرش له السجادة الحمراء حسب تعبير الكاتب، مستحضرا في نفس السياق ترحيب الأمين العام بالرئيس الموريتاني وإشادته بموريتانيا وجهودها ووصفها بالعضو المؤثر والقيادي في منطقة ومجموعة الساحل.
وبينما تبحث الدول الأوروبية عن موردين للطاقة البديلة، فإن موريتانيا اكتسبت أهمية استراتيجية جديدة ومن المقرر أن تصبح مُصدرا للغاز إلى أوروبا بحلول نهاية عام 2023 مع اكتمال المرحلة الأولى من مشروع السلحفاة، ويمكن لموريتانيا أيضا يضيف المقال، أن تحجز لنفسها بسهولة مكانا كمركز للطاقة المتجددة في غرب إفريقيا، مع 700000 كيلومتر مربع من الأراضي المتاحة لبناء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وفي مارس 2023، وقعت شركة تطوير المشاريع الألمانية أونتنتا مع شركاء آخرين لمشروع هيدروجين أخضر بقيمة 34 مليار دولار في موريتانيا والذي يمكن أن يؤدي إلى إنتاج ما يصل إلى 8 ملايين طن متري من الهيدروجين الأخضر سنويا.
وفيما يتعلق بالتودد الروسي لموريتانيا، أشار المقال إلى أن موسكو وبعد أن كان نائب وزير خارجيتها هو المسؤول عن العلاقات الدبلوماسية مع موريتانيا، فإنها قامت بترقية مؤخرا تمثلت في تكليف وزير خارجيتها المخضرم لافروف شخصيا بهذا الملف، كما أدى زيارة إلى هذا البلد الغرب إفريقي وصفها الكاتب بالتاريخية.
من جهة أخرى، اعتبر المقال أن اتفاقية العلا في يناير 2021، التي أنهت الحصار المفروض على قطر، سمحت لموريتانيا بتعميق علاقاتها مع الخصوم السابقين، وقد تُوج هذا الانفتاح باستحواذ قطر للطاقة على حصة 40 في المائة في منطقة الاستكشاف البحرية في موريتانيا سي 10 في أبريل 2023، والتي تتميز باحتياطيات نفطية كبيرة. بالإضافة إلى افتتاح تركيا وموريتانيا ما يسمى بالبيت التجاري لتعزيز العلاقات التجارية في مايو 2023.
ووصف الكاتب موريتانيا بالوجهة الجاذبة للاستثمار في منطقة مضطربة، معتبرا أن دورها في مجموعة الساحل ودعمها لإعادة مالي للمجموعة وعملها على بناء جسور مع جيرانها ودورها الرئيسي في مشروع خط نقل الطاقة عبر الساحل المقترح بقيمة 900 مليون دولار والذي سيمر عبر بوركينا فاسو والنيجر ومالي، كلها عوامل يمكن أن تعزز مكانتها الدبلوماسية.