ذاكرتنا المريضة / كريم الدين ولد محمد

كريم الدين ولد محمدلو لم تكن للإنسان ذاكرة تختزن الأحداث واللحظات التي يمر بها لما كانت لديه القدرة على استيعاب المشاهد المتجددة في حياته وبناء انطباع سليم حولها، من هنا كانت أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان وأكثرها استعجالا هي تلك المتعلقة بذاكرته، وكما أن للإنسان ذاكرة فإن للشعوب ذاكرة لا تقل أهمية وحساسية إذ تحتضن تاريخها وتعبر عن نضجها الناتج عن

 عملية تراكمية تلعب فيها الذاكرة الدور الأبرز، حيث تحتضن كل الأحداث التي تمر بها الشعوب وتعيد صياغتها بغية الاستفادة منها في عملية البناء الحضاري المتجدد.

ويمكن القول إن أكثر ما يميز الشعوب المتقدمة هو ذاكرتها القوية التي لا تعرف النسيان فليس بالإمكان أن يتلاعب بها كائن من كان، وعلى عكسها نجد أن الشعوب المتخلفة تتميز بضعف الذاكرة مما ينعكس سلبا على نضجها وقدرتها على مسايرة الركب الحضاري السائر بسرعة هائلة.

وفي بلادنا يعاني شعبنا وللأسف من مرض الذاكرة فمن نشأة الدولة الموريتانية ونحن عاجزون عن تكوين أجسام مضادة على مستوى ذاكرتنا المناعية ضد فيروسات المفسدين ممن يملكون القدرة على تغيير أشكالهم دون أن تتغير خصائصهم الفيروسية ونتيجة لضعف ذاكرتنا فهم في كل مرة يتمكنون من التلاعب بنا واستغلالنا من جديد وبنفس المهارات الخبيثة، فكم من وزير سابق وكم من رئيس ومدير احترف النهب والسرقة لخيراتنا ثم عاد من جديد يرفع شعارات الوطنية والإصلاح وغيرها من أساليب الخداع ليتمكن في النهاية من ممارسة إجرامه وفساده بنفس الطريقة الاحترافية.

ونتيجة لمرض الذاكرة هذا دائما نجد أنفسنا أمام عملية استنساخ للتاريخ بدل أن نمتطي أيامه لنعيش نفس المشاهد والأحداث التي نجْتَرُها من عقود وكأن ذاكرتنا لا تفهم معنى الماضي ولا تريد أن تتعداه.

نفس الانقلابات والبيانات، نفس المسيرات الاحتفالية بسقوط عسكري ووصول آخر للسلطة، نفس المسرحيات الانتخابية ونفس الأوجه الناجمة عنها، حتى النشرات الإخبارية هي نفسها من عقود، تتصور حين تشاهدها للوهلة الأولى أن موريتانيا ورشة متكاملة لتكتشف في كل مرة أنه لا شيء تغير، فشوارعنا هي نفسها مغبرة وملئها الأوساخ من كل جانب، ومعاناة الفقراء لا تختلف عنها في الماضي، ومستشفياتنا مستنقعات أوبئة تضيف للزائرين أمراضا إلى التي يعيشون، وتعليمنا يترنح من فساد لفساد أشد ومن ارتجالية لأخرى، وذاكرتنا لا تفرق بين الماضي والمستقبل الذي تصوره على أنه هو نفسه الحاضر الذي نعيشه.

إن مشكلتنا باختصار تتمثل في ذاكرتنا المريضة وما لم نعمل جميعا على إنتاج لقاح قادر على تطوير خلايا ذاكرتنا المناعية ضد فيروسات الفساد فلن يتغير واقعنا وسنبقى في نفس النقطة لأننا نعيش التاريخ بذاكرة مريضة.

كريم الدين ولد محمد

[email protected]  

12. يونيو 2013 - 20:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا