" نقرر التغلب في هذا الظرف الدقيق على خلافاتنا، خدمة للمصالح العليا للبلد، وتجنبا للمخاطر التي قد يتعرض لها جرّاء الانقسامات العقيمة والهدّامة بين مكونات الطبقة السياسية؛" المادة الثالثة من خارطة طريق الميثاق الجمهوري
تمكن الجدل من ثوابت الحياة العامة، يسد الأفق ويفرض التوتر كمصير محتوم للمجتمع و دوامة التشكيك في قيمه والعبث بضوابط المصير المشترك.
تلجأ الأمم الراسخة في امتهان الديمقراطية إلى المواثيق الجمهورية، كحواشي لحماية متن القانون الأسمى من صولات غوغاء أعداء التعددية، المناهضين لوحدة الجمهورية ونهجها الديمقراطي وعقيدتها الاجتماعية، وكافة الثوابت الواردة في ديباجة الدستور، المستباحة من طرف قوى رجعية تختلط عليها أوراق الحقوق والواجبات والبحث العلمي ومختلف روافده الانتروبولوجية و التاريخية، لترتهن الشعب والدولة في اصطبل حفاري القبور ومبارزي الأجساد العارية من وقار وهيبة الكرامة.
بعض مرتزقة السياسة والحقوق التي أفرزها حراك التواصل الاجتماعي، تتبنى الانفصال باسم شعب لم يفوضها والبعض يغرد لإدماج الشذوذ بما فيه المثلية والتحول الجنسي وزنى الأقارب في منظومة الحقوق، والكثير من سدنة العقوق يمجدون الأفضلية البيولوجية على قيم المواطنة؛ كذلك، كتائب تقسيط الشعائر المروجة لعنف الإرهاب وجبروت التكفير، من سماسرة الجنة والنار بجميع وسائل الدفع البدائية والرقمية؛ وطغيان الرغبة الأكيدة في تجاوز التحصين الدستوري لحماية وترسيخ الحقوق الأساسية، باحترام الهوية الروحية للمجتمع وخصوصيته الثقافية، وثقله الحضاري الراسخ؛
إن أولوية تفعيل ميثاق جمهوري تمليه الانقسامات المجتمعية العميقة التي أحدثها خطاب الكراهية وطفقت تنخر النسيج الاجتماعي وتقطع أواصر المودة وقيم الإيمان بالمصير المشترك، الذي عبثت به هستيريا تفكك العائلات السياسية وانحسار أدوارها الإديولوجية و تحول مشاريعها المجتمعية إلى مجرد خطابات متناقضة وجدل عقيم يرسي وضعية عامة من القلق تروج لمغالطة المعارضة المجتمعية كأعلى مراتب الكسل الفكري، وركوب جزء من الطبقة السياسية لقارب الشعبوية المخروم، عبر تشكيك أحمق التصور في خيارات المساواة مما قد يتسبب في أزمة هوية للجمهورية وقدرة مؤسساتها على استيعاب التنوع والاختلاف و مواجهة الترويج لمجتمع عاجز عن التوفيق بين احترام الأفراد وحماية المشترك بينهم وتفتيت اللحمة الوطنية عبر خلق هويات ضيقة تستمد شنآنها من تفاوت اجتماعي مصطنع لاجتثاث مواطن قوة الاختلاف الثقافي وبلوغ هدف الهدم بتفكيك الجمهورية وإفراغها من المحتوى السيادي المضمون بقوة القانون وشرعية التنافس السياسي النظيف بين مشاريع يفترض أن تكرس للنهوض بالوطن وخدمة المواطن، تفاديا للعبث بقيم الاستحقاق وآليات استنساخ النخب بالتأسيس للظلم عبر خلق طيف " نبلاء جدد" بشرعية انتقامية من رفات الوئام، بدل إعادة تأسيس مفهوم المساواة وإلغاء ضوابط التفاوت والتشبث بدولة الحق.
إن معالجة النقص في التمثيل السياسي والاجتماعي على المستوى الوطني تتطلب المضي في إصلاح و ترسيخ أساليب الانتخاب لتعزيز روابط الانتماء للمجتمع الواحد. يترتب كذلك التحرك وبسرعة لتلحق كافة القوى الجادة بالميثاق الجمهوري لقطع الطريق أمام أعداء المساواة وحشر رهط الضغينة في حظيرة عقوق الوطن ومناهضة أمنه واستقراره وسكينة شعبه.