شكلت السنة الفارطة محطة بارزة في مسيرة العمل الاسلامى بموريتانيا عموما والحراك السياسي لحزب التجمع الوطني للاصلاح والتنمية (تواصل) خصوصا بحكم الفاعلية في المشهد،والألق الاعلامى والسياسي لحزب لما يكمل سنينه الخمسة الأولى، مع حضور في الحراك المناهض لحكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بعد شهور من الانتظار ودعوات التعقل ومراجعة النفس واصلاح الأخطاء واعادة الاعتبار للدولة بعد بداية وصفت بالسيئة للرئيس ومحيطه في إدارة شؤون العباد وتسيير ثروات البلاد.
ورغم الحملة الأمنية والاعلامية الشرسة الموجهة ضد الحزب رموزه منذ بداية الحراك الشعبى المطالب برحيل الرئيس، والتخاذل الذي عاشته بعض أطر منسقية المعارضة في أوقات صعبة وحاسمة،إلا أن المكاسب السياسية والانتخابية كانت أكبر، والصورة كانت أبهى والحصاد بعون الله أفضل حصاد منذ عقود.
فقد استعاد الحزب فاعلية مناضليه، وتضحية رموزه وأحكم بنيته الداخلية وتحول من حزب قيد التأسيس هش مفتوح أمام كل الراغبين، إلى قوة انتخابية وحركية تقودها كوكبة من الفاعلين السياسيين، مع خط مقاوم للفساد متمسك بمبادئ الشرع، منحاز إلى فقراء البلد وضحايا الظلم من مختلف الفئات والجهات والأعراق والأعمار، قادر على المواجهة إن واجه وعلى فعل الخير ان قرر، وعلى طرح الرؤى والأفكار إن حاور وناقش،موجود في الساحات العامة مع آخرين بالفعل، لكنه منفرد بحمل لواء الدفاع عن الهوية في أغلب الأوقات، وفعل الخير في كل الساحات من مجمل التشكيلات الحزبية بموريتانيا.
ورغم أن الحزب لم يحالفه الحظ في فرض الرحيل مع آخرين رغم التضحيات الجسام، إلا أن الفترة الماضية كانت حافلة بالعمل الجاد، والتضحية غير المسبوقة، فلم تتراجع شعبية الحزب بل أزداد منتسبوه،مع تخير أملته ظروف البلد وكثرة المترددين على بوابات أقسامه،ونوعية الملتحق بصفوف الركب، ففي أوقات الشدة لا مكان لضعاف النفوس في حزب أخذ على عاتقه حمل لواء التغيير والدفاع عن مصالح الناس. ولم تتأثر بنيته الداخلية فقد انتظمت أعمال الهيئات واللجان داخل المقار الحزبية، وواصلت كل منظمات الحزب برامجها المعتادة مع مضاعفة الجهد لتنفيذ مستلزمات النضال في جو كان فيه للآخرين أكثر من سبيل.
ورغم بعض الأخطاء والتقصير والهنات المصاحبة لكل عمل بشرى،إلا أن جيل التواصليين أبدع في الالتزام بالمبدء، فكان الشباب نموذجا في التضحية والدفاع باستماتة عن كل رموز الهوية،فماتخلفوا عن ساحة مواجهة أو اعتصام ولا ترددوا في حضور مسيرة أو احتجاج، ولا اعتذروا عن موعد طارئ، ولاطالبوا بسبيل غير سبيل المناضلين.
وقد كان للفتاة التواصلية دورها في الحزب وحراكه، تعبئة وحشدا ودعما للمتظاهرين، فأزدانت الساحات بهن، وتضاعفت أعداد المسيرات بجهودهن، وصمدن أوقات المواجهة في مجمل الأنشطة الشبابية، وتحملن حرارة الجو وبرودة الطقس،وكن خير سند لخير فكر وحزب.واحتسب الجميع أوقاتهم وأموالهم وجهدهم في سبيل الله والتمكين لحزب آمنوا بمشروعه.
ورغم ضيق ذات اليد، وهشاشة النخبة، وصعوبة الواقع، فقد كان للقادة الدور الأبرز في تثبت السائرين في ركب "تواصل". فلا خانوا ولازلوا ولاباعوا الحزب والمبدء وهم بالمئات من مجمل الفئات والأعراق والجهات. وكان منتخبو الحزب نموذج الثابت الفاعل، حضورا في المشهد ودفاعا عن مصالح البلد، ورفضا لكل الاغراءات، فأزدادوا عددا وكانوا من بين مجمل منتخبي الأحزاب نموذجا للمنتخب الصادق في وعده الوفي لمنتخبيه ومحازبيه والنموذج الأبرز في الاستقرار دون حاجة إلى قانون يمنع الترحال السياسى أو عقال يعقل باعة الضمير المنتجعين كل غيث أو هشيم بحثا عن شهوات الأنفس، أو خنوعا لحاكم طغى وتجبر.
ورغم أن الفترة ولت بحلوها ومرها، ونجحت في اضعاف نظام الفساد، وعرت أغلب مخازيه، وكشفت عن حقيقته المرة بعد سنوات من التخندق وراء الشعارات الجوفاء الخادعة، إلا أن الركب سائر والجهد متواصل، وإن تغيرت الساحات، فالعمل المعارض لا حدود له ما دام الظلم مستحكم، ومواجهة الفساد تتطلب طول النفس والصبر على المحن، والثقة بنصر الله.
أما اليوم وقد بات من شبه من المؤكد أن الانتخابات التشريعة والبلدية قاب قوسين أو أدنى – كما تقول اللجنة المستقلة للانتخابات- بعد شهور من التعثر وأسابيع من التجاذب بين لجنة خداج وإدارة واطئة، ودفع أوربي نحو استحقاقات طال انتظارها من بعض الأطراف فإن الأمور تحتاج إلى المراجعة والأولويات تحتاج إلى التغيير، والبوصلة يجب أن تحدد من أجل جولة جديدة من الصراع مع نظام الغبن والظلم والقبيلة من أجل انتزاع مكاسب جديدة للحزب ومشروعه السياسى.
ورغم أن الخلاف لا يزال على أشده بين معارضة فقدت الثقة في أي استحقاقات قد تقودها الحكومة الحالية أو تكون شريكا فيها، ورئيس شبه عاجز عن تنظيم أي استحقاق منذ وصوله إلى السلطة في انقلاب عسكري صبيحة السادس من أغشت 2008. إلا أن مجمل الأطراف الفاعلة في الساحة تدرك أن الخيار الوحيد لتخفيف احتقان طال أمده هو الذهاب إلى الانتخاب التشريعية والبلدية بعد تعذر الحسم في الشارع لعدة أسباب بعضها داخلى وآخر خارجى،واستبعاد الانقلابات كوسيلة للتغيير في بلد مل سطوة الجيش وتحكم ضباطه في العملية السياسية غير المستقرة منذ الاستقلال.
كما أن مجمل الفاعلين في المشهد السياسي من معارضة وأغلبية يدركون بشكل لا لبس فيه أن استمرار التنابز بالألقاب ليس المخرج الأسلم من الأزمة الحالية والتي باتت تكلفتها السياسية والأخلاقية على الطرفين في تصاعد شبيه بتصاعد الفقر والتهميش في مدن الداخل.
ورغم أن خيار التفاوض المباشر ضعيف أو شبه معدوم، ونتائج المبادرات الحالية غير متحكم فيها بفعل ضعف الوسطاء وتنافر المتخاصمين،إلا أن فرص التوافق على موعد مقبول من مجمل الأطراف يظل أمرا غير مستبعد مع تنازلات تفرضها مصالح البلد ومقتضيات العملية السياسية،رغم حزازات الأنفس وما خلفته سنون الاستبداد والاستبعاد والاستهداف من جروح غائرة في لحمة مجتمع قبلي وفئوى يتطلع إلى الدولة دون أن يسلك دروبها المعتادة.
وتنتظر تواصل والتيار الإسلامي عموما لحظات حسم صعيبة قبل نهاية الشهر الجارى، فمقاطعة الانتخابات المقبلة خيار شبه مستحيل في المنطق السياسى للأحزاب السائرة في طريق النمو،ذات التوجه الجماهيرى والراغبة في تعزيز رصيدها داخل الساحة السياسية، والمشاركة في انتخابات عرجاء أمر له تكلفته السياسية والأخلاقية خصوصا مع إمكانية لجوء بعض الحلفاء داخل المعارضة لسلاح المقاطعة كرد سياسي على سلوك النظام الحالى.
ويظل التردد في حسم الموقف أبرز خطأ قد ينجر إليه الحزب وأنصاره، فلا مجال للوقوف عند مفترق الطرق، فالحلول التي نتطلع إليها تفرض ولا تستجلب، والخيارات المطروحة محدودة، مشاركة فاعلة في انتخابات غير نزيهة ولا متكافئة الفرص، أو مقاطعة قوية مع حراك شعبي بغية اسقاط النظام وجرجرة أمنه إلى مواجهة في الشارع مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية المعهودة.
ويظل الخيار الأول أفضل وأسلم، فللثانى مخاطره على البلد وتماسك أجزائه في ظل تحديات أمنية داخلية معقدة واقليمة بالغة التعقيد، من الصعب أن يصمد أمامها بلد ضعيف وهش هشاشة تفكير قادته الممسكين بزمامه منذ خمس سنين.