من غياهب الزمن تتحدث..!/ كريم الدين ولد محمد

كريم الدين ولد محمدعلى هامش الزمن ألقى بها سير الأيام المتسارع هناك كصورة لامرأة كئيبة تعبت في تشكيلها أنامل فنان متطفل لم يؤت بسطة في الفن ولا سعة من الذوق والجمال، وهناك انتصبت كالشبح تحمل ما تبقى من جسمها الفاني مستغرقة في جزء من ذاكرة مليئة بالعقد الناتجة عن إعادة ربط شريط الأحداث الطويل بكل ما فيه

 من تعاسة وشقاوة تنبئك بوادرها أن هذه المسكينة الشابة في جسم العجوز قد تعرضت لزلزلة قوية هزت عمق كيانها وأخرجتها من الوجود إلى شبه العدم فأصبحت ميتة محرومة من سعادة أهل القبور تنتظر محسنا يتطوع بنقلها إلى حفرة صالحة للدفن بعد معاناة سكرات الإهمال الطويلة...!

اقتربت من هذا لخيال النسائي بغريزة الطفولة قبل الرجولة لأكتشف بقايا جمال بائس نسفته عوامل التعرية من كل جانب وأهلكته بأقساط غير مستقيمة ولا متوازنة وبطريقة لم تراعي العمر الافتراضي لجمال تلك المسكينة الضائع... وبعفوية بعيدة عن منطقها الضبابي سألتها متى حل بك هذا البلاء المزري وكيف عصفت بك زوابع الزمن من حيث لم تدري؟.

قالت بمنطق تحاول صاحبته استجماع ما تبقى من أفكار ومشاهد ضاعت في غياهب الدهر وفرقتها عقود النسيان: اسمع يا بني لا يغرنك تقلب الدنيا وتبدلها من حال لحال فقد كنت فتاة من الشباب في عنفوانْ لم أكمل عقدي الثالث ذاك الأوانْ، وكنت ذات قد وجمال وكانت عيون الرجال عني لا تزولْ وأيديهم إلى وصالي تمتد وتطولْ، محاولة أن تسرق من جمالي أو أن تخدش من حيائي، غير أني كنت صعبة المراسْ ولا أنزل بهمتي إلى ما دون النجوم من الحراسْ، ولم أكن لأبتسم إلا لمن جاء بالورودْ حاملا رسالة سلام لكل الزهورْ، وكان في زماننا غلاء في المهورْ خاصة فيما يتعلق بقضايا العصر من العلومْ، وذات يوم وأنا أسير إلى الأمام اختطفتني مجموعة من اللئام وقادوني إلى طريق مظلم مجهولْ فشاخ جمالي وأنا أبحث عن نقطة الوصولْ ولا زال ظلام النفق يشتد كلما ظننته سيزولْ...!.

فهل لك من رحمة وهل لي عندك وعند جيلك المجدد من خلاص...؟.

قلت وقد تملكني الأسى والألمْ من وقع ما حل بها من النقمْ، أنا ابن واقعك المزري ووالله لا حيلة بيدي، وجيلي جيل ضاعت فيه القيمْ وساد فيه الجهل وضعفُ الهممْ، فلا تُعولي علينا في معروفْ ولا تنتظري منا تخليصك بالسيوفْ فنحن جيل ملؤه الخوفْ...!.

قالت أما بلغني أن جيلكم جيل الثوراتْ وأن نار غضبكم أحرقت الطغاةْ حتى فاح من اشتعالهم عبير الحرياتْ...؟.

قلت نعم كان ذاك في بلاد شقيقة وهي عنا غير بعيدة، لكن طغاتنا من العسكر أقاموا سياجا بالأرواحْ يصد عن عروشهم تلك الرياحْ، ولا زلنا نعيش تحت القمع والتعذيبْ ونعاني من التجويع والتخريبْ حتى أصبح كل منا في بلاده غريبْ، فحملة الشهادات عن العمل عاطلونْ والعسكر في وعودهم بالتشغيل يماطلونْ والله يعلم أنهم وزمرتهم لكاذبونْ...!.

لقد ساد القوم أرذلهمْ وقضى بجهله على معظمهمْ، حين رسم سياسات فاشلة لا تصلح لمواجهة سنين الجفاف القاحلة، فأصبح كل سكان البلاد فقراءْ إلا ثلة قليلة من عبدة المال والثراءْ، ممن نهبوا ثروات شعبنا وتفننوا في سرقة أموالنا، أولهم الرئيسْ وأفراد عصابته من العسكر والبوليسْ...!.

قالت وماذا تنتظرونْ ومالكم لا تثورونْ وبحقكم تطالبونْ، عسى الله أن يحقق مآربكمْ ومن الطغاة والمفسدين يفرج عنكمْ...؟.

قلت ذاك سؤال الأمانْ والإجابة عنه تعني إعادة ضبط الأحداث بسلامْ، ولكن لعلنا ننتظر عودة الأسعار من الفضاءْ بعدما حلقت رفقة البنزين إلى السماءْ، أم لعلنا ننتظر ضحكة جديدة على عقولنا البريئة، كأحدث أساليب التدجيلْ المتمثلة في مهرجان التشغيلْ، الذي شهد إعلانات كاذبة مثلتْ وأموال طائلة بددتْ، كل ذلك لتنفيذ فكرة غيبة خطرت في بحر أوهام رئيس رزية، ذاك الجنرال المنهارْ الذي يفكر بعقل مستعارْ...!.

قالت أنتم جيل لا خير فيه ولد في الفساد وشبَ عليه، ولا غرابة في أنكم للنساء لا تقدرونْ ما دمتم بأحوالكم لا تفكرونْ، ولا يرجى أن يكون فيكم من بمروءتهْ يحمي عرض حبيبتهْ...!.

قلت نحن جيل ولد ولادة قيصرية بعد عملية اغتصاب غير شرعية، والتعليم فينا متخلفْ تفلسف فيه كل مسئول منحرفْ، وبرامجه صيغت لجلب الأموالْ وذاك هدفها في كل الأحوالْ، وجامعتنا يتيمة ومن الأطر عديمة، تخرج سنويا الآلافْ وترميهم في الشارع رمي الأعلافْ، لا أحد يسأل عن كفاءتهمْ ولا فرق في ذاك بين تخصصاتهمْ...!.

قالت يكفي ففي هذا أقوى برهانْ على حياة الذل والهوانْ، التي فيها تعيشونْ ولواقعها مستسلمونْ، فعد إلى دياركْ وعاني الفقر مع إخوانكْ، فأنتم جيل ضائعون وعن الإصلاح بعيدون، أما أنا فسأبقى لوحدي أنام فوق نعشي، فلم يصل زمان إيقاظي ولم تحن بعد لحظة إنقاذي...!.

قلت لا يا أماهْ فلكلامك في نفسي صداهْ، وإنا لك لمنقذون وبأرواحنا عنك مدافعون، وسنبحث لك عن عريسْ يعيد معالم معدنك النفيسْ، حتى يعود لك جمالك وتتمتعين بالعيش مع أبنائك، وسنحارب الفساد ونقضي على من خربوا البلاد، وسنحميك من كل مسئول لقيطْ يحاول تدنيس عرضك يا حبيبتي يا أرض شنقيطْ، فبعد ما طالت فترة الاختطافْ آن الأوان لرحيل تلك السنوات العجافْ، فلم يعد الوضع يطاقْ ومن واجبنا أن نعمل على كل صعيد ونطاقْ، من أجل تحرير سيدة الجمال بلادي الحبيبة بعدما دنستها أقدام حثالة من العسكر والمجرمين الذين انتشر إجرامهمْ وضاقت الأرض من فسادهمْ فهلم بنا جميعا لتطهير أرض الوطن من الظلم والقهر والحرمانْ...!.

1. مارس 2012 - 11:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا