موريتانيا وأزمة الضمير الوطني / كريم الدين ولد محمد

كريم الدين ولد محمدقبل الغروب من مساء السبت المشئوم تلون المشهد الموريتاني بلون الرصاصات المجهولة ليغادر ملك الفقراء مملكته إلى بلاد "الوصاية" حيث الرعاية الرسمية والعلاج الناجع وفقا لمبدأ "الخدمات مقابل المصالح الكبرى" بعيدا عن ضجيج المرضى وأناتهم في مستشفيات البرزخ المحروم من مقومات الحياة وحق العيش الكريم...!

تاهت الضمائر المتلونة بين لفات المشهد المظلم في رحلة البحث عن الشفق الذي طال انتظاره ليعم الصمت الأفق خلال فترة تحضير المساحيق الجديدة...

خرج مرضى الجلد من غرفة العمليات فيما بدى تلبيسا ومن قبيل التضليل أن جراحي موريتانيا أكثر جرأة ودقة من نظرائهم في مستشفى "بيرسي" الفرنسي حيث طالت فترة النقاهة هناك بينما خفف الماكياج المحكم هنا من مشكلة الظهور رغم فارق التوقيت...! لم يطل الانتظار كثيرا فقد سقط أحمر الشفاه سريعا تحت وقع القبلات الخالية من الود وعادت خفافيش السياسة المتلونة إلى المظهر القديم بعدما تأكدت من لون اللقطة الموالية...

بعد ستة أسابيع وقبل الغروب من مساء اليوم تواصل السماء تلونها ومعها يبدل عراة القوم مظاهرهم وضمائرهم لتحافظ الشاشة على تلونها بأحسن ألوان الحاضر وأكثرها زهوا لدى صاحب القصعة العائد من غرفة العمليات على وقع حرارة التطبيل الصحفي فوق مائدة القمة والقاعدة وما بينهما من مسافات النفاق السياسي المنتج الوحيد محليا...!

عاد مصاصو الثروات وسارقو عقول المساكين إلى رياضتهم اليومية حيث بُددت أموال البلد في احتفالات استقبال الملك المنتصر على رعيته...!

وقبل الغروب أيضا لا زال خلق آخر على موعد مع دأبه فيما مضى وفيما حضر ليتمكن من اكتساء لون المتحلقين حول معرض الألوان هذا فيما يتفنن الظلام في رسم صورة لمزيج البؤس والمرض لتمثل واقع الضمير الوطني المنهك في أرض الخيرات المنهوبة...

بأساء ومحرومون جلبوا من أكواخهم جلب الحمير في باصات متهالكة تكدسوا على متنها في مشهد يدمي الضمير الإنساني، في حين أطلقت صحافة التطبيل والتصفيق العنان لأبواقها فيما أعلن سبويه حالة الطوارئ لمواجهة الخطر المحدق بلغة الضاد ليكتمل بذلك معرض الألوان في أرض الخبث والنفاق السياسي...!

وفي ظل غياب الضمير لدى المسئولين يستمر الكذب واستغلال النفوذ ليبقى وطننا حبيس التخلف والفساد وكل حاكم جديد يمن على الشعب المسكين بأكسجين الحياة...

وفيما حققت دول الجوار مستويات جيدة من الاكتفاء الذاتي في ضرورات الحياة بعد أن وفرت لشعوبها الحد الأدنى من البنى التحتية لا تزال بلادنا تعتمد على الاستيراد في كل شيء، كما يعتبر تدشين شارع في عاصمة الأوساخ والبرك إنجاز يتباهى به المسئولون ويصفق له المطبلون...

ومع الالتواء في الطريق على الحالمين بالوصول إلى أحياء الظلام انتظار زوال العتمة في ازدحام مستمر على مركب لا يذكر بالهناء وبتكلفة تأخذ الجزء الأكبر من محصول اليوم الطويل لا لأمر مبرر سوى أن تجار الوقود متنفذون في سوق الضمائر الرخيصة...

وفي مشاهد الإدارة تسيب في كل شيء مسئول ينحني بقامته الملتوية إلى كرسيه الخشبي انحناءة من لا يفكر في التقاعد وكأنه يخاطب مجسم الضمير الخاوي لديه: أعتقد أني أفضل من يحسن الجلوس على هذا المقعد الأثير، وبابتسامة صفراء يجيب نفسه وهو يحرك مؤخرة جسمه ليتحسس ما تبقى من رشاقته متحديا الطامحين ممن يصفهم بأبناء الحساب الجدد العاجزين عن تفسير الارتفاع الكبير في مؤشرات التضخم والتقدم في الرتب خلال العقود الأخيرة...!

إنهم رعاياك يا مولاي وهاهي بين يديك عارية الجسم حافية القدمين حتى لا تحس بالخطر ولو في كوابيس السدس الأخير...!

إنها ثقافة الضمير الوطني السليم فإلى متى تترنح داخل الحديد؟

كريم الدين ولد محمد

[email protected]

11. ديسمبر 2012 - 11:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا