المجرية تلك المدينة الوديعة القابعة عند قاعدة جبل يناهز طوله حوالي أربع مائة متر يعرف محليا ب (ﯖلب اسْوَيْدَحْمَدْ) ، هذه المدينة القديمة حيث تضم بنايات شُيدت منذ دخول الاستعمار إلى الأراضي الموريتانية، هذه المباني التي ظل حاكم المقاطعة يستخدم أحدها كمكتب له قبل أن ينتقل إلى دار الكتاب
التي شيدت إبان حملة الكتاب التي أطلقها الدكتاتور معاوية ولد الطابع، بالإضافة إلى بنايتين خربتين لازالتا قائمتين أحدهما كانت تستخدمها موريبوست والأخرى كانت تستخدم كمقر للبلدية قبل أن تنتقل إلى مقرها الجديد والذي بني في فترة حكم فيها أنجح عمدة عرفته المقاطعة في العقد الماضي مقابل أسوأ حكم عمدة عرفته المقاطعة حينما قام بحرمان المدينة من فتح أقسام ثانوية و باعها لإحدى القرى التابعة لها في التسعينات.
تلكم هي مدينة المجرية التي تبعد عن نواكشوط 450 كلم وهي ثاني مقاطعة في ولاية تكانت بعد عاصمة الولاية تجكجة.
ظلت مقاطعة المجرية كالكثير من مدن الداخل تحت عباءة الأحزاب السياسية الحاكمة منذ انطلاق ما يعرف بالمسلسل الديمقراطي (زورا) ، ولم تخرج عن تلك القاعدة الا في الفترة الأخيرة حينما انتخب عنها ممثل لحزب التجديد الديمقراطي ويا ليته لم ينتخب!، كان عامة ساكنة المدينة إن لم أقل كلهم، خانعين ومستسلمين لسلطة الدخلاء من أشباه السياسيين الذين استغلوا و لايزالون سلمية المدينة وخنوعها ليذيقوها شتى أصناف الإهمال واللامبالاة، هذه المدينة سلط الله عليها أشباه سياسيين تفرزهم في الغالب فترات الانتخابات حيث يتساقطون ليلا الواحد تلو الآخر ليبثوا سمومهم الموسمية ( موسم الانتخابات) مستغلين ضعف المواطنين المادي والوعود التي يطلقها هؤلاء الأفاكون بتحسين الظروف الاقتصادية للمدينة وتوفير مشاريع مدرة للدخل في حين لم تعرف المدينة أي من ذلك باستثناء ما حدث في الفترة الأكثر حيوية حين تم تشييد سد للمدينة بالإضافة إلى بناء دار للبلدية وتوفير مشاريع أخرى انتهت مع انتهاء تلك الفترة. ولم تجن المدينة بعد ذلك الا الكذب والوعود الفارغة.
المدينة كما ذكرت تعاني فراغا على مستوى القيادة سمح لعديد المتسكعين من السياسيين للتنادي على قصعتها لنيل مستوى من التمثيل الشعبي يسمح لهم بالتسكع على موائد الحزب المحكوم في نواكشوط بدعوى شعبية زائفة استغل ضعف أهلها وحاجتهم وذلك بدعم من مجموعة من أبناء المدينة الساعين خلف أهداف مادية بحتة ترمى لهم بطرف اليد كمجموعة من الكلاب الضالة.
مر على المدينة العديد من الأحزاب السياسية التي رشحت ممثلين عنها لمنصب العمدة والغريب أن أغب إن لم يكن كل هؤلاء الغرباء فازوا بالانتخابات البلدية نتيجة لخبثهم ومكرهم بالإضافة إلى الجهل واللامبالاة التي تطبع أغلب ساكنة المدينة ، إذ همهم الوحيد هو أموال تدفع لأحدهم وهو مستعد لبيع بطاقة تعريفه دون تردد، يساعد على ذلك أنه برزت في الفترة الأخيرة قيادات جاهلة في أغلبها بالإضافة لقيادات شابة متمثلة في بعض الأساتذة والمثقفين الذين حاولوا في البداية إسماع أصواتهم لكنهم جرفهم التيار الكبير الجاهل الذي يعتمد عليه السياسيين الدخلاء عبر إغراقهم بالمال مقابل المحافظة على قواعد شعبية بالمدينة مهما كلف الثمن.
بعد أن تم تحديد زمن إجراء الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة ستعيش المدينة فترة ازدهار تماما كما كان يحدث في الفترات السابقة ، سيارات فارهة وأموال طائلة توزع هنا وهناك ووعود كاذبة وحفنة جهلاء يتقاذفهم السياسيين هنا وهناك كدمية في يد طفل يرمي بها أينما يشاء.
المجرية إذا مدينة سلط الله عليها لعنته عبر مجموعة سياسيين وافدين في اغلبهم لا يمتون للمدينة بصلة مباشرة، فقط العلاقة الوحيدة أن المرشح تكون أصوله من هناك ويكون قد غادرها منذ فترة طويلة، لكن في فترة تباع فيها الأصوات وتشترى يكفي أن تجلب معك أموالا وتقيم منزل فخم في المدينة وتودع قطعان ماشية عند أحدى الأسر، عندها تعال وترشح لمنصب عمدة البلدية وستنجح بإذن الله.
صحيح أن هناك من يمثل المدينة بحق وسعى جاهدا إلى الترشح لمنصب العمدة لخدمتها ويعرف الكل أنه يخدمها إلى الآن وبحق، لكن العوز المادي الذي هو صمام النجاح هناك مفقود له ولأغلب أبناء المدينة الذين يمكن أن تتوفر فيهم الشروط الضرورية لشغل هذا المنصب، هذا العائق الكبير هو ما لاحظه من يعتبرون أنفسهم أبناء المدينة لذلك استغلوه أيما استغلال خصوصا في الفترات السالفة الذكر.
إذا كان سكان هذه المدينة قد تعبوا من عمدهم الفاشلين ومن سلوكم المتنافي مع المنصب الذي يشغلونهم فعليهم التحلي بنوع من عزة النفس واحترام الذات واحترام مصلحة مدينتهم التي تتطلب منهم التوحد خلف أحد أبنائهم الذين يرون فيهم الاستعداد والتضحية في سبيلهم وهم كثر، وعليهم التخلي عن أشباه الأحزاب التي تتساقط عليهم كالفطر وفقط في الفترات الانتخابية ليتخلوا عنهم فور إعلان فوز أحدهم متوجها إلى العاصمة من حيث جاء و إلى الفترة الانتخابية اللاحقة.وينبغي أيضا القطيعة النهائية مع ما يسمى الحزب الحاكم والمنضوين تحت عباءته، فالحقوق اليوم لم تعد مرتبطة بحزب ولا بمسئول ما لأنه نتيجة لسهولة التواصل والتغطية صار بإمكان أي كان رفع مشكلته و إيصالها إلى العالم كله وقد تم التخلص نهائيا من فكرة (الكف ما يعاند اللِشْفَه) لأن هذا منطق قديم وغير مجدي.
في فترة تباع فيها الأصوات وتشترى ويحكم فيها من كان بالأمس حارسا وفي فترة يطبل ويزمر فيها ثلة من المحكومين المنتمين لحزب تم تجميعه من بقايا حكم الدكتاتور معاوية أو هم على الأغلب عبارة عن أعضاء ذلك النظام هذا الحزب المعروف ب(حزب الاتحاد من أجل الجهوية أو نهب الجمهورية- إن شئت-) ليس من المرجح أن نشهد أي تغيير لا على مستوى النهج ولا الوجوه الكالحة التي أذاقت موريتانيا شتى أنواع الويل والمهانة وسرقة المال العام وعليكم إن كنتم تسعون للأفضل كباقي مدن موريتانيا، أن تتخلصوا نهائيا من تلك الأصنام الموسمية وبدون رجعة مطلقا .