صمت الرتابة و هرج الارتجال / الولي ولد سيدي هيبه

altفي بلادنا، وقاها الله كل شر مستطير، لا يشبه الحراك السياسي أيا كان على وجه اليابسة.. تعلو فيه الأصوات، بكل لغات البلد و بلغة مستعمرها، فلا يسمع لها صدى فى دائرة الأفعال الارتدادية..  فكل الدروب فيه متشابكة تصب في "وادي التوق" إلى الإمساك برقاب أفراد هذا الشعب الممزق الأواصر و المصاب بالدوار من فرط سرعة الحركة و التحول الذي يجري من حوله، يكاد يسقط مغشيا عليه لولا أن تداركه لطف الله القدير الذي لا يمسكه زمن و لا يحيط به مكان.

لا حديث عن برامج عمل ترسم على خارطة المرور باتجاه نقاط العبور الآمن إلى الاستحقاقات؛ تلكم التي يريد كل فريق، مهما أبدى استعجالا كان أو تحفظا أو تذمرا، أن تجري بها الرياح و فيها بما تشتهيه ذوات ألواحه المتآكلة و دسره الصدئة، المبحرة في بحر هذه الاستحقاقات اللجي تخشى أمواجه العاصية و عواصفه الهوجاء و ظلماته التي فوقها ظلمات، و يدفعه إلى الغرق فيه عشق التحكم دون الحكامة الرشيدة و الاقتياد دون القيادة المطمئنة. الكل يريد تحقيق ذاته و كمال صفاته من دون الوطن، و يشهد على ذلك غياب البعد التحليلي في العمق الخطابي للقضايا الشائكة العالقة و كأنها ثانوية تنتظر معلقة أن يروق المزاج عسى و عسى فقط يبت فيها و تتم تسويتها بعصا القوة السحرية. إن المتأمل في حقيقة أحوالنا السياسية و ديمقراطيتنا، التي لم تبخل علينا في تعاليمها و مراميها و سبل قيامها بكل ما تحمل من نبل و سعة أفق، لا بد أن يلحظ هرمية، أبعد ما تكون عن روح هذه الديمقراطية، لا رابط بين أوصالها: - ففي أعلى الهرم من كل التشكيلات السياسية يجلس مستريحا رئيس، أو بالأحرى، زعيم الحزب المؤسس أو المؤسس له، لا فرق إذ القوة في التصرف واحدة، و إذ العيب ليس في وجود رئيس كاريزمي يتوسط الدائرة، فإن الخلل يكمن في اتخاذه، لعوامل ما زالت مرتبطة بالماضي الذي ولى، عكس اتجاه الريادية في قوالب دولة القانون و احترام المواطن بوصفه محورهذه الدولة الثابت.. هو بها و هي له. - و قريب منه عن اليمين و عن الشمال أعضاء المكتب التنفيذي من المؤسسين و الأنصار و المهاجرين دون رفاق للدرب في تكريس عفوي لما حاول لويس السادس عشر أن يضبط به الأمور السياسية و يحول الملكية إلى الدستورية قبل أن تقوم الثورة و تطيح به؛

- و في أسفل الهرم قاعدته التي تحمل زعيم الحزب و معاونيه على أكتافها، تؤمن لهم التوازن في حركاتهم البهلوانية و تمنعهم من السقوط في دهاليز الاختلالات و الارتكاسات التي تخبؤها أحوال السياسة المتقلبة بتقلب المعطيات و تجدد الاحتياجات.

و يبقى الأدهى من هذا و الأمر أن هذه الوضعية الاستثنائية المزمنة قد ولدت إدراكا جديدا شوش على الوعي السياسي الذي كاد أن ينضج في وقت ما تسببت عن ترصد و سبق إصرار ذهنية رجعية بامتياز في الرجوع به إلى القوالب القبلية و الاثنية و الطبقية لا حقا لكن بصوت أعلى و أوعى في ظل المطالبات ذات الطابع الحقوقي التي أضحت ظاهرة تتسع و تتنوع بتنوع المغبونين و المجروحين في كرامتهم الإنسانية. و هي الوضعية التي يشكل ضبابها السميك، الذي أخذ يتصاعد و يلبد الآفاق، تهديدا لا لبس فيه على أمن سلمي مجتمعي، يجب الإسراع إلى تدارك أمره قبل أن تتسع الشروخ التي يحدثها في خارطة النسيج الانتخابي و يزيد أمر توجيه الدولة صعوبة في المستقبل المرتقب. 

و ليس من الصائب في بلد له على كل علاته نخب على مستوى عال من المعرفة تدرك به وجهي حالة البلد المتمثلين في:

- الارتباك البادي و الارتجالية المفرطة اللذان يطبعان الوضع السياسي على خلفية ضعف مفهومي الوطن و الدولة إن لم يكن غيابهما، - تنامي الأصوات المغردة خارج سرب الوطن الواحد و القواسم المشتركة و المعولة على أجندة غريبة الملامح و الأطوار.

أن تبقى هذه النخب معطلة لا تلعب دورا أحوج ما يكون إليه اليوم الوطن. و لتدع هذه النخب من كل فج عميق و بكل نبرة صوت إلى أن تراجع القيادات السياسية أنفسها و أن تنزل قليلا من بروجها العاجية حتى تتسنى لها رؤية الوضع المزري عن كثب و  تتحلى بكبرياء الفرسان.. و ليس في الأمر أية إضاعة لماء الوجه الذي إن وهب، بحتمية المنطق، للوطن يظل أبيض نديا.

و لتدع كل الأحزاب السياسية، في الأغلبية و في المعارضة و مستهلكو السياسة بأوجه أخرى كالمنظمات الحقوقية و المنتمية إلى طيف المجتمع المدني بعيدا عن صمت الرتابة و هرج الارتجال، هذا الشعب يستكمل ما قدر الله  له من مسلسل ديمقراطي، و لتقم كلها و بجد من خلال دور مستجد على تقليم أظافر الشوائب فيه، التي بقدر ما تنبت كالطفيليات من تفاعل العوامل التي بداخله، بقدر ما يكون ذلك التقليم أبهى تجليات تصحيح و صحة  المسلسل الذي لا بد أن يأخذ مداه في الزمان و المكان و تلعب فيه أجيال متتالية أدوارها قبل أن يكون مرضيا و يقضي على كل أسباب التباين و التعارض لأمة ليس لها بد من الاتحاد في ظل دولة القانون و كرامة الانسان، إن أرادت البقاء.

15. يونيو 2013 - 12:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا