السياسة ليست مجرد مطالبة بالإصلاح بل هي أيضا وقاية من المفاسد و المخاطر و مراعاة لقاعدة درء المفاسد بل قد يكون الجانب الوقائي في السياسة هو أهم الجوانب وبه يكون السياسي على بصيرة من أمره و مراعيا لمصلحة وطنه و مدركا لسائر المخاطر و التحديات التي تواجه البلد و تستدعي من الفاعلين السياسيين انتباها و حذرا .
إن التحول في حياة الدول يكون للأحسن أحيانا و يكون للأسوء أحيانا و العاقل من اتعظ بالتجارب و بحث بإحدى عينيه عن الأحسن و هو يراقب بالأخرى مكتسبات مهمة يجب عدم تضييعها و أمنا يجب حفظه من المخاطر الجمة و فرصة لا يكاد يبصرها إلا سياسي محنك أو ذو بصيرة ملهم !
و من يتابع مسار الفعل السياسي الوطني يدرك أن المرونة و الحرص على المصلحة الوطنية كان حاضرا عند الساسة المحنكين الذي قارعوا مختلف الأنظمة و على رأسهم السيد أحمد ولد داداه أطال الله عمره و أنه ما من نظام حكم هذا البلد إلا ووجد من معارضيه مرونة و سعة صدر و تغليبا للمصلحة الوطنية العليا و لم يكن الصدام مع الأنظمة هدفا في حد ذاته كما لم تكن المصالح الخاصة هي كل شيء بل كان هناك سعي لتحسين المنظومة السياسية الحاكمة التي يعتبر إصلاحها أولوية الأولويات .
إن الفعل السياسي الوطني بحاجة لإدراك أولوياته الحقيقية و البعد عن التجاذبات التي لا تجدي خاصة في ظروف التوافق و الإنفتاح و هناك مجموعة من النقاط تعتبر في نظري أولوية الأولويات بالنسبة للفعل السياسي الوطني:
- التقارب بين النظام و المعارضة : فالبلد يحتاج الآن تقاربا كبيرا بين النظام الحاكم و بين مختلف الأحزاب مهما كان تموقعها السياسي و هذا التقارب سندرك في ما بعد حاجتنا الماسة له
- الحوار الشامل حول مختلف المسائل الجوهرية وعلى رأسها مسألة النظام السياسي و الإنتخابي و طريقة و ظروف إجراءات الإنتخابات و مسألة الشوائب التي لا تزال تعاني منها انتخاباتنا أخذا بالإعتبار جميع التجارب السابقة و التجربة الأخيرة فهذا الحوار يجب أن يحدث و آن تسعى إليه مختلف القوى العاقلة
- مساندة مختلف البرامج والسياسات الطموحة الطموحة التي تفيد المواطن في الجانب الإجتماعي أو الصحي أو الإداري و المطالبة بتعميقها و تطويرها و إشراك جميع الكفاءات التي يمكن أن تساهم في خدمة الدولة و الوطن في مختلف القطاعات و البرامج
- القيام بمبادرات جماعية خدمية و صحية و خيرية تشارك فيها مختلف القوى و الفاعلين السياسيين و الإقتصاديين يكون الهدف تقديم الدعم حسب الإستطاعة للمواطن مع إحداث تقارب بين الفاعلين السياسيين و بين المواطن ليعود للفعل السياسي ألقه وقدرته على توعية الناس و إقناعهم بأي موقف تقتضيه المرحلة في وقت أصبحت فيه وسائل التواصل تلعب دورا كبيرا في نشر الأفكار و الرؤى و صناعة المواقف مما جعل تأثير الفاعلين الميدانيين أصحاب الخبرة في الرأي العام تأثيرا ضعيفا جدا
- تطوير الخطاب السياسي بما يناسب عصر التكنلوجيا و زمن الرأي الحر أو الرأي المستقل و بتعبير أدق فكل فرد مهما كان عمره أصبح الآن لديه رأي و تحليل للواقع ولم يعد فقط يتأثر بمحيطه أو برأي من هو أكبر منه مما يجعل نخبوية الطرح السياسي و بعده عن الناس خاصة الشباب منهم أمرا غير ممكن بل لا بد من إيجاد خطاب واقعي و علمي في نفس الوقت يعتمد على الدقة و الوضوح و يتكلم بلغة الأرقام و يعطي صورة دقيقة عن مختلف الإدارات و عن ما يستحق التثمين و ما لا يستحقه و عن الفساد و أسبابه و عن الأمل و الألم .
إن انتشار خطاب الشعبوية لا يعني أن خطاب العقل لا يمكن تقريبه من الشعب بل يمكن حين يجد من هو قادر على ذلك من أهل الجرأة و الوضوح و البلاغة .
- العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية و حفظ استقرار البلد و محاربة أسباب الفرقة بكل الجهود و أن يكون ذلك على رأس أولويات الفاعلين السياسيين .
إن السياسة من دون تحديد أهداف ورؤى و أولويات تعتبر مجرد شعبوية و بحث عن الأصوات و انتظار لمواسم التنافس