يعد التعليم التقني والتدريب المهني والفني وسيلة لدمج الشباب في سوق العمل من خلال التأهيل العملي. وهو قطاع حساس يعتبر محددا اقتصاديا واجتماعيا مهما، لأن هذا الجزء من التعليم يهدف إلى تدريب القوى العاملة المؤهلة لوظائف محددة والتي بدورها تساهم في تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية للشركات. وهو أيضا فرع من فروع التعليم باهظ الثمن وتكلفته أعلى من أنواع التعليم الأخرى. قطاع حساس وبنيوي على المستوى الاجتماعي، لأن هدفه إعداد الشباب للعمل وبالتالي الاندماج في المجتمع، حيث تشكل البطالة تحديا مباشرا لتدريبهم.
هناك تنوع كبير ومسميات كثيرة فيما يفهمه ويأصل له المختصون حول التعليم التقني والتدريب المهني والفني كلها تدخل في "تطوير المهارات التقنية والمهنية (TCSD)"، و "التدريب المهني (VT)"، و"التعليم والتدريب الفني والمهني (TVET)" والمصطلحات والمختصرات المختلفة المستخدمة في هذا السياق. ومع ذلك، منذ عام 2003، أوصت اليونسكو بتسمية النظام بالاختصار TVET (التعليم والتدريب الفني والمهني) بتعريف دقيق للغاية وتمت مراجعته في عام 2016 بموجب توصيات اليونسكو CL/ 4159/2016.
بناء على هذه التوصيات، يمكن تعريف التعليم والتدريب المهني والتقني على أنه "مجموعة المهارات الفنية و/ أو المهنية التي يتم اكتسابها طوال الحياة، على مستويات مختلفة وفي بيئات تدريبية مختلفة، والتي تؤثر على مجموعة واسعة من المجالات المهنية وأنشطة الإنتاج والخدمات ووسائل التدريب. الكفاف. يكتسب الشباب والنساء والرجال المعرفة والمهارات، من المستويات الأساسية إلى المستويات المتقدمة، عبر مجموعة واسعة من البيئات المؤسسية والمهنية وفي سياقات اجتماعية واقتصادية متعددة.
في الاتحاد الأوروبي، المصطلح الأكثر استخداما هو التعليم والتدريب المهني (VET). ويتعلق بالتعليم والتدريب بهدف تزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لمهن محددة أو للوصول إلى سوق العمل بالمعنى الأوسع. تهدف برامج التعليم والتدريب المهني بشكل عام إلى إعداد المتعلمين للتوظيف المباشر في مهنة أو نشاط معين، وتؤدي بشكل عام إلى الحصول على مؤهل مهني مرتبط بسوق العمل ومعترف به من قبل السلطات المختصة.
إن مفهوم" المهارات "أصعب بكثير من مفهوم "التعليم والتدريب التقني". تشير تنمية المهارات (CD)، التي تستخدمها منظمة العمل الدولية (ILO) بشكل عام، إلى اكتساب المهارات العملية والدراية والمواقف اللازمة للقيام بنشاط أو مهنة في سوق العمل.
في الهند وهي المثال الذي أود الإشارة والإشادة به، تعتبر معاهد التكنولوجيا في الهند من بين أبرز المؤسسات التعليمية والتقنية في العالم. تأسست هذه المعاهد لتقديم " تعليم تقني وتكنولوجي" وهي مجموعة من 25 مؤسسة تقنية تلعب دورا حيويا في تطوير القوى العاملة المهنية والابتكار التقني في الهند وخارجها. من بين هذه المعاهد، تبرز" المعاهد التكنولوجية الهندية "Indian Institutes of Technology" أو IITs بشكل خاص كمراكز تميزت في ميدان التعليم التقني ونقل المعارف التقنية المرتبطة ب التكنولوجيا الحديثة.
تقدم IITs مجموعة واسعة من البرامج التعليمية في مجموعة متنوعة من التخصصات التقنية مثل الهندسة الميكانيكية، الهندسة الكهربائية، العلوم الحاسوبية، الهندسة المدنية، والعديد من التخصصات الأخرى. تقدم هذه المعاهد أيضا برامج دراسات عليا تمهيدية ومتقدمة تتيح للطلاب فرصة تطوير مهاراتهم واكتساب المعرفة العميقة في مجالات اختصاصهم. للحصول على قبول في IITs، يتعين على الطلاب اجتياز امتحان IIT- JEE (Joint Entrance Exam)، وهو امتحان صعب ومنافس يتطلب تحضيرا جيدا وأداء ممتازا. يتنافس آلاف الطلاب سنويا للحصول على مقعد في هذه المعاهد.
إلى جانب دورها في تقديم التعليم التقني، تلعب IITs دورا مهما في مجال البحث والابتكار. تنشر هذه المعاهد بحوثا على مستوى عالمي في مختلف المجالات التقنية. يعمل الأساتذة والباحثون في IITs على تطوير تقنيات جديدة وحلول مبتكرة للتحديات العالمية.
في سبعينيات القرن الماضي، أسست موريتانيا ثانويات تقنية (lycée technique) كمؤسسات تعليمية تقنية تشبه إلى حد كبير المعاهد التقنية في الهند. تم تأسيس هذه المؤسسات بهدف تقديم تعليم تقني عالي الجودة، وتأهيل الشباب ليصبحوا محترفين في مجموعة متنوعة من التخصصات التقنية. تميزت هذه المؤسسات بجودة تعليمها وبرامجها التقنية المتطورة.
كان الولوج إلى هذه المؤسسات يتم عادة من خلال مسابقات تنافسية، وهذا كان يشجع على اختيار الطلاب الأكثر تفوقا واهتماما بالمجال التقني. كانت برامج التعليم التقني تعتمد على مناهج حديثة ومحدثة تلبي احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي.
خريجو هذه المؤسسات كانوا على مدى العقود المتتالية مجهزين بالمعرفة والمهارات التقنية اللازمة للمشاركة في تنمية بلادهم. قدموا إسهامات كبيرة في مجموعة متنوعة من الصناعات والقطاعات التقنية، بما في ذلك الهندسة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية.
كانوا يعتبرون أصحاب مهن متخصصة، وتميزوا بالكفاءة والاحترافية في أعمالهم. تمثل هذه المؤسسات نموذجا جيدا للتعليم التقني والمهني في المنطقة، وأثبتت فعاليتها في توفير العمالة المهنية المؤهلة للقطاع الصناعي والخدمات.
مع بداية الألفية الجديدة، شهدت موريتانيا تغييرات في القطاعين التعليمي والتقني والتكوين المهني. تم تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التي أثرت بشكل كبير على مؤسسات التعليم التقني والثانويات التقنية. واحدة من هذه الإصلاحات كانت التحول من نظام الثانويات التقنية إلى نظام يعتمد على المراكز الفنية (CFPP) كمدارس للتعليم والتدريب الفني والمهني بناء على توصيات اليونسكو CL/ 4159/2016، مع مرور الوقت، بدأت هذه الإصلاحات تؤثر على جودة التعليم التقني والتكوين المهني في البلاد. تغيرت برامج التعليم وأصبحت أقل تركيزا على التخصصات التقنية العالية الجودة. قل عدد الطلاب الذين اختاروا الدراسة في هذه المجالات التقنية، مما أثر بشكل سلبي على تأهيل الشباب لمواجهة تحديات سوق العمل الحديث.
غير بعيد من الهند، في اليابان يعتبر التعليم التقني من بين أفضل التعليمات التقنية في العالم، وهو جزء مهم من البنية التعليمية في البلاد. يشمل التعليم التقني في اليابان مجموعة متنوعة من المؤسسات والبرامج التي تهدف إلى تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات التقنية اللازمة لمجموعة واسعة من مجالات العمل. لاتزال المدارس التقنية الثانوية (Kosen): في اليابان، تقدم برامج تعليمية تقنية متقدمة للطلاب بعد اجتيازهم لامتحان دخول صعب. يتعلم الطلاب في هذه المدارس مهارات تقنية تساعدهم في التحضير لمجموعة متنوعة من وظائف الهندسة وتكنولوجيا المعلومات.
إذا كانت الهند واليابان، اعتمدت نظام التعليم التقني الثانوي والمعاهد التكنولوجية، فهذا يشير إلى أن هناك اهتماما بتعزيز التعليم التقني في مستوى التعليم الثانوي وما بعد الثانوي. يمكن أن يكون هذا جزءا من استراتيجياتهما لتطوير المهارات وتحسين فرص العمل للشباب وتعزيز التكنولوجيا والابتكار في البلدين، هذا التمسك يشفع له قيادة هذين البلدين للتكنلوجيا في عصرنا الحالي على الأقل، وهو ما خذا حذوه غالية الدول المهتمة بتوفير مصادر بشرية مؤهلة وقادرة على ان تكون رافعة اقتصادية لبلدانها، نشهد ذلك حتى في دول الجوار المغرب والسنغال وتونس، بحسب معرفتي الشخصية.
باختصار، يمكن لموريتانيا الاستفادة من تجارب الهند واليابان في تطوير التعليم التقني ورفع مستوى المهارات الفنية لشبابها. ومع تنفيذ استراتيجيات مناسبة واستثمارات وشراكات بين مختلف الفاعلين الاقتصادين، تمكن من أن يلعب "التعليم التقني" و"التدريب المهني" دورًا مهمًا في تعزيز الاقتصاد وتحقيق التنمية في البلاد.