سلسلة ارتفاعات لا متناهية... / محمد محفوظ المختار

altمنذ سنوات أربع وموريتانيا تشهد ارتفاعات مضطردة طالت جميع مناحي الحياة... فمن ارتفاع أسعار المحروقات الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار البضائع الضروري منها والكمالي، مرورا بارتفاع درجات الحرارة، ثم ارتفاع حدة الخطاب السياسي بين مكونات الطيف السياسي، ليأتي الدور على الخطاب الفئوي الذي اتخذ نسقا نضاليا في بعض الأوقات وتحريضيا في جلها، وصولا إلى ارتفاع أصوات أصحاب المظالم سواء الشخصي منها أو النقابي أو الوظيفي.

وبالقطع فإن منسوب ارتفاع الفضائح التي طالت القطط الكبيرة في الدولة لن يكون الأخير في سلسلة الارتفاعات المشهودة، خاصة أنها وصلت إلى أعلى هرم في الدولة وهو رئيسها، حيث انتشرت في المواقع الالكترونية والصحف الورقية والقنوات الإذاعية الوطنية منها والدولية فضائحه المتعلقة باتهامه بالمتاجرة بالمخدرات، ورعاية شبكات الجريمة المنظمة في منطقة الساحل، واستقبال مطلوبين دوليين. أما عن أعضاء حكومته فإن في فضيحة وزير التعليم الذي رخص لأول مدرسة المسيحية في البلاد،  وتستر على نشاطها التبشيري ما يغني عن التعجب والاستغراب، الاستغراب الذي أصبح السمة البارزة  مما يجري في بلاد السيبة أو على الأصح المنكب البرزخي.

إن هذه الارتفاعات المذهلة والتي طالت جميع مناحي الحياة ومرافقة الدولة،  تستدعي وقفة تأملية تحاول أن تستقرأ ما ورائياتها... وقفة قد لا تعود بالنتيجة المطلوبة آنيا، لكنها قد تفتح المجال لقراءة أخرى تأتي بإجابات أكثر دقة من وأيسر فهما من النتائج التي توصلت إليها والتي جاءت كما يلي:

إن أسباب ارتفاع المحروقات، ومن بعده ارتفاع أسعار البضائع، جاء من أجل إرساء قواعد جدية،  تمهد لإيجاد طبقة جديدة من رجال الأعمال، تترسخ عبرها "سنة الحياة وطبيعة التطور والتجدد"، على أن يكون رجال الأعمال "الجدد" من خاصية أولي الأمر و من عُصبته أو عَصبيته. وهو ما  يتيح للإثنين  (رجال الأعمال وولي الأمر) فرصة لتربح غير المشروع، عبر صفقات جاء أغلبها بالتراضي وجاءت البقية الأخرى بطرق ملتوية.

أما ارتفاع درجة الحرارة فلا أظنه ارتفاعا مناخيا بقدر ما هو توفر عوامل لارتفاع سخونة الدم في الجسم - مما قد ينعكس على ظاهر الجسد ومحيطه-  والذي جاء بدوره كتعبير عن مسايرة لحالة الارتفاع العامة في البلد، مما يجعل ارتفاع ضغط الدم عند المواطن المغلوب على امره  أمرا مطلوبا- وإن لم يكن صحيا في جوهره- إلا أنه يوفر له فرصة لعدم التخلف ، وهو ما يهيئ الظرف لمسايرته لركب الارتفاعات المتكررة والتي طالت كل مناحي الحياة.

أما ارتفاع حدة الخطاب السياسي فهو شيء طبيعي ومتوقع، وذلك مرده إلى أن حالة الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعرفه البلاد منذ سنوات، تتجلى ملامحها في خطاب يرتفع صداه ومستواه إلى الدور الذي يتناسب مع وضعية الاطراف المتصارعة (أطراف الأزمة السياسية) والمعنيين (المواطنين) وبؤرة الصراع (الوطن)، مما يجعل الصورة أكثر وضوحا عند المتلقي الذي يجب أن يكون أكثر استعداد وتفاعلا مع ما يجري من حوله، مع اعتقادي شخصيا أن هذا الخطاب ومستوياته والمنعراجات التي سلكها في سابق الأيام تجعله أقرب إلى لعبة (سماري)  الشعبية، منه إلى خطاب سياسي ذا أساليب نضالية جدية أو بنائية مرجوة النتائج. وفي ما يخص ارتفاع حدة الخطاب الفئوي والمنعطفات التي يتخذها الآن، فإن ذلك يستدعي منا أن ننظر إليه من خلال قراءة فسيولجية لحاملي لوائه، ومن خلال تلك القراءة – التي يجب أن تكون معمقة وشاملة - سيتضح جليا أن الوضع ليس بتلك البساطة التي يحاول من خلاله حملة الخطاب تسويقه إلينا، وأن هناك ما ورائيات تستدعي وقفة شك في الذات، أو على الأصح لحظة صدق مع النفس، وصفاء وتسامح اتجاه المجتمع، وما أحوجنا إلى كل ذلك.

أما عن أصحاب المظالم فإن ارتفاع أصواتهم المبحوحة بمطالبهم المشروعة يستدعي منا أن نطالبهم بأن يبحثوا عن آلية جديدة تتيح لصوت كل منهم أن يصبح ذا صدى مؤثر يصعق ما حوله. ليسمع من كان له قلب في دائرة صنع وتنفيذ القرار، وما أقله.

وفي ما يخص فضائح الدولة وقادتها، فإن التحليلات الجمة والمقالات الكثيرة التي تناولتها بالتدقيق والتمحيص تحتم علي الاكتفاء بالإشارة إليها حتى لا أصنف في خانة المتسترين أو المحابين لمن جعلوا سمعة موريتانيا تنزل إلى مستوى الحضيض.

ختاما أجد من المناسب توضيح أن هناك انخفاضات ملحوظة طالت العديد من المرافق، فمن انخفاض من المستويين التعليمي والصحي، إلى تراجع كبير في المجال الخدمي، وهو ما يجعل هذه الانخفاضات تقوم مقام الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، القاعدة التي تقول:  إن المواطن الموريتاني أصبح مقتنعا أنه أضحى في دولة لا تحترم مواطنيها ولا تقيم لهم وزنا ولا تعيرهم أدنى اهتمام. 

 

محمد محفوظ المختار – صحفي

[email protected]

16. يونيو 2013 - 17:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا