الحكومة الموريتانية والفضائيات و"الفيس بوك" / أقرين ولد أمينوه

altعاشت موريتانيا، خلال العام الحالى، حراكا شبابيا كاد فى بعض الأحيان  أن يسلك منحيات بالغة الخطورة، ويرى البعض أن الشرارة التى أطلقها الربيع العربى - و ساعد فى إنتشارها " الفيس بوك " وغذاها  الحيف والإقصاء الممارس على الشعوب العربية  -  يُحتمل أن تنتشر عدواها لتشمل بلدانا كموريتانيا، إذ أن حالة الحرمان و الإقصاء هي ذاتها و كذلك كل الشباب الموريتانى، تقريبا، سيتخدم وسائل التواصل الإجتماعى ويشاهد " الفضائيات  " تماما كباقى أقرانه فى ما يسمى بدول الربيع العربي.

 

وعند التوقف البسيط عند مشاكل هؤلاء الشباب، سنجد أنفسنا بحاجة إلى مصطلح جديد في علم السياسة، قد يتجاوز مفهوم الثورة، فهذه الفئة التي تصل،  حسب ما هو معلن من دراسات، إلى ما يربو على الخمسين بالمائة من مجموع السكان، تستحق أكثر بكثير من ما هو معطى. وهي هنا لا تطلب المساعدة كفئة غير قادرة على الإنتاج، فهي في أوج عطائها لو أعطيت الأدوات.

هذه الشريحة ولنقل العريضة لن تكتفي بالحلول السحرية على طريقة "التكوين المهني" و "إدارة الحنفيات العمومية وعمال دكاكين التضامن" رغم أهمية هذه الحلول فى( بعض  الحالات ) إلا أن البعض يرى كل  تلك العناوين العريضة، لا تحترم جلوس أحدهم على مقاعد الدرس سنين طويلة قضاها في التحصيل والأحلام المشروعة،  ليستفيق على واقع يخاطبه فيه الرئيس قائلا  "إن الوطن  لا يحتاج إلى شعراء وجغرافيين و قانونيين  بقدر ما هو فى  حاجة إلى فنيي صيانة كمبيوتر ومهندسين" فهذا الطرح فيه الكثير من التجني والحيف. فأهمية هذه التخصصات، التي أشاد بها الرئيس، غبر قابلة للنقاش، لكنها لاتغني عن باقى التخصصات ولنا أن نتساءل، ما دامت الحكومة ترى أن بعض التخصصات يشكل عبئا عليها و ان اصحابها غير مطلوبين في سوق العمل، لماذا تضخ مزانية بالمليارات في جامعة لا تخرج الا هؤلاء؟

لو أن الحكومة تضع تصورا عمليا لما يحتاجه السوق، من تخصصات في العقد القادم لكانت النتيجة مختلفة و لتغير الوضع .

فلا يمكن مثلا أن نكْون طالبا تكوينا أدبيا منذ الثانوية ونطلب منه بعد التخرج  أن يعمل فى تكنولوجيا المعلومات، لقداصبح جميع اصحب هذه التخصصات، التي توصف بأنها "عيب " وعبئ على الدولة، يعاملون معاملة من تلد أنثى فى الجاهلية!

ولا يمكن للحكومة أن تعتبر العلوم الإنسانية معارف لا قيمة لها، فى عصر النانوغرام، ولا يمكن تجاهلها أو اعتبارها خارج منظومة المعارف الإنسانية التي تدخل في تكوين رأس  المال البشرى، ام أنها تكرار لحكاية البحث عن تبرير.

في هذا الجو المفعم بالبطالة وبتبديد رأس المال الرمزي، يلجأ الشباب العاطل والمعطل إلى أمرين دائما يبحث فيهما  عن فضاء خارج هذا الفضاء الرهيب والرتيب : يشاهد الفضائيات ويتعلم مبادئ التمرد السياسي، ويتعرف على تجارب شعوب خرجت لتوها من الجحيم الذي يعيشه هو الآن، مع فارق بسيط يتمثل في أن المجتمعات الأخرى لا تنظر إلى العاطل الحاصل على شهادة معينة، كشخص موصوم بالعار الأبدي، بل تتعاطف معه مقدرة على الأقل قيمته العلمية التي حصل عليها، ومعينة إياه بالدعاء على الأقل. أما مجتمعنا المتسربل بالمادية واللاعن دوما للفقير، (حتى ولو كان عالما) دعني من مورثونا من الأمثال الذي لم تعد الجدات تلجأ إليه لإقناع خصم، مع انه طافح بالأمثال التي تقدر المادي لماديته، لا لشئ أخر "شين الركبه ولازين التميرير"

وأغلب الشباب أضاف إلى الفضائيات "الفيس بوك" الذى لم يعد حكرا على الطبقة المخملية فى المجتمع، بعد انتشار مقاهي الانترنت،  وجد الشباب ضالته في "الفيس" كما يسمونه فى مجالسهم، ليتبادلوا الآراء ويكتشفوا تجارب أقرانهم في أرجاء الوطن العربي الذي انطلقت منه الثورات، مركزين على تجربتي تونس ومصر .كقصتي  نجاح معاشتين  وقابلتين  للتكرار (مع فارق التوقيت!!)

وفى الجانب الأخر نجد أن أغلب مسؤولينا  لم يسمع "بالفيس بوك" قط، ولا يستخدم الانترنت في عمله، وإنما هي بالنسبة لهم نافذة يشاهدون منها أخبار العالم الطريفة والغريبة، وفى أحسن استخدام قد يعرف منها جديد التعيينات .

طبيعي إذن أن يشتغل الشباب في المظاهرات، بدلا من الجلوس مع ربات البيوت  وأصحاب الدكاكين الذين ملوا تنظيرهم وتذمرهم الدائمين،  طبيعي إذن أن يمارس الشباب عمله فى "ابلوكات " أولا وربما فى كل ساحة عامة، لم "تعمر"بعد، لاحقا .

لقد حان الوقت أن يعود الوجود إلى "دورته الدائرة، النجوم لميقاتها  ... الطيور لأصواتها ... الرمال لذراتاها" ... والشباب إلى عمله الكريم والا فان احتمال خروج الامر عن السيطرة سيبقى قائما.

ساعتها ستتمنى الحكومة لو أن "الفضائيات" كانت كلها " روتانا" ، و"الفيس بوك " كان موقعا لأبراج الحظ!.

18. يونيو 2013 - 15:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا