كم أنت جحودٌ ...يا أيها المواطن!! / محمد الأمين ولد الفاضل

كم أنت جحود يا أيها المواطن عندما تقرر في زمن النعم هذا، أن تعتصم أمام القصر الرئاسي طلبا للماء أو للكهرباء أو للعمل أو للمأوى. ألا تعلم يا يأيها المواطن الجحود بأن البنك الذي تستظل بظله، وأنت تتظاهر، يختزن في هذه الساعة بالذات 300 مليار أوقية من العملات الصعبة؟ ألا تعلم يا أيها المواطن الجحود بأن نسبة النمو في بلدك قد بلغت 8% ؟ فكيف بعد كل هذا تدعي بأنك تعاني من العطش أو من الجوع أو من الظلام أو من البطالة؟

إنك تكذب يا أيها المواطن الجحود عندما تدعي بأنك تعاني من الجوع أو من العطش أو من البطالة في بلد وصل رصيد احتياط بنكه المركزي من العملات الصعبة ما يعادل 300 مليار أوقية، ووصلت فيه نسبة النمو إلى 8%.

فإما أن هذه الأرقام كاذبة، وإنما أنك أنت هو الكاذب، ولأن الأرقام لا تكذب عادة، فذلك يعني أنك أنت ـ يا أيها المواطن الجحود ـ هو من يكذب.

كان الأولى بك أن تأتي إلى القصر الرئاسي والبنك المركزي طلبا لنصيبك من العملات الصعبة، أو طلبا لبعض الكماليات، بدلا من أن تأتي إليهما طلبا لجرعة ماء، أو لحبة دواء، أو لحفنة طعام، أو للحظة أمن لا تكدر صفوها جريمة بشعة تقشعر منها الأبدان.

وكان الأولى بك أن تأتي وأنت تتوقع أن تلفظ لك خزائن البنك المركزي حزمة من الدولارات، فتلك الخزائن الملآى لم تعد قادرة على استيعاب كل هذه الكمية الضخمة من العملات الصعبة، بدلا من أن تأتي إليهما مطالبا بماء، أو بدواء، أو بوظيفة، أو بكهرباء.

وعلى ذكر الكهرباء فكيف تدعي يا أيها المواطن الجحود بأنك تعاني من الظلام؟ فبالله عليكم، هل يعقل أن تعاني مدن من الظلام، وأن يتظاهر أبناؤها طلبا للكهرباء، وذلك في وقت تخطط فيه القيادة الرشيدة لتصدير فائض الكهرباء إلى الدول المجاورة؟ وهل يعقل أن تخفض دولة السنغال المجاورة سعر الكهرباء بالنصف وهي التي لم تفكر يوما في تصدير الكهرباء، ولا نخفض نحن سعرها بأكثر من النصف، نحن الذين سنصدرها غدا إلى السنغال، إن لم نكن قد صدرناها بالأمس؟

وإذا لم تصدق ـ حتى الآن ـ بأنك تعيش في نعيم مقيم، يا أيها المواطن الجحود ، فإليك هذه الطائفة الأخرى من الأدلة الرسمية التي تؤكد بأنك تعيش فعلا في نعيم مقيم، وبأنك تكذب عندما تتظاهر أمام القصر وتدعي بأنك تعاني من العطش أو من الظلام أو من البطالة أو من غياب الأمن.

ألم تسمع وزير الدولة للتهذيب يقول كلما تحدث، وكثيرا ما يتحدث وزير الدولة، بأن الرئيس يمنح الأولوية القصوى للتعليم، فكيف لا ينهض التعليم والرئيس يمنحه الأولوية القصوى؟ ألم تسمع الوزير يقول ـ أكثر من مرة ـ  بأن البلاد قد حققت قفزات نوعية في قطاع التعليم؟

ألم تسمع وزير الصحة يقول كلما تحدث، وكثيرا ما يتحدث وزير الصحة، بأن الرئيس يمنح الأولوية القصوى للصحة، فكيف لا ينهض قطاع الصحة والرئيس يمنحه الأولوية القصوى؟ ألم تسمع الوزير يقول ـ أكثر من مرة ـ  بأن البلاد قد حققت قفزات نوعية في مجال الصحة؟

ألم تسمع وزير العدل  يقول كلما تحدث، وكثيرا ما يتحدث وزير العدل، بأن الرئيس يمنح الأولوية القصوى للعدل، فكيف لا ينهض قطاع العدل والرئيس يمنحه الأولوية القصوى؟ ألم تسمع الوزير يقول ـ أكثر من مرة ـ  بأن البلاد قد حققت قفزات نوعية في قطاع العدل؟

ونفس الشيء ينطبق على بقية الوزارات، فكيف يمكن لبلد هذا هو حاله أن يعاني مواطنوه من العطش أو من البطالة أو من الظلام أو من انعدام الأمن؟

لا تسألوني كيف يمكن لرئيس واحد أن يمنح الأولوية القصوى لكل القطاعات، وفي وقت واحد، لا تسألوني عن ذلك لأني لا املك له إجابة، ولكن الشيء الذي يمكنني أن أقوله لكم هنا، هو أننا عندما نجمع  كل"القفزات النوعية" التي حققتها البلاد قي السنوات الخمس الأخيرة، وفي مختلف المجالات، حسب ما جاء على ألسنة الوزراء، فسنجد بأن البلاد قد ابتعدت كثيرا عن الدول المجاورة، وعن موقعها الجغرافي الذي كانت تحتل من قبل أن تبدأ عمليات القفز هذه، والتي يبدو أنها لن تنقطع أبدا.

ولو استمرت عمليات القفز في الخطابات الرسمية بهذه الوتيرة، فربما تجدون قريبا أن بلدكم قد خرج من المجال الأرضي وانتقل إلى كوكب آخر من المجموعة الشمسية. فكيف بعد كل هذا القفز يمكننا أن نصدق من يتظاهر أمام القصر الرئاسي طلبا للماء أو للكهرباء أو للوظيفة؟

وبالعودة إلى لغة الأرقام، ألم يحقق الرئيس ومنذ ما يزيد على عام أكثر من 70% من برنامجه الانتخابي؟ أوَ لا يعني هذا بلغة الأرقام بأن الرئيس ربما يكون قد وصل في يومنا هذا إلى تحقيق 105 % من برنامجه الانتخابي؟ فكيف يمكن بعد هذه النسبة التي زادت على المنطق الرياضي أن نصدق بأنه ما يزال يوجد في هذه البلاد مواطن جائع أو عاطل عن العمل أو يعاني من الظلام أو من العطش؟

وربما تفسر هذه النسبة العجيبة إصرار الرئيس على استحداث مقاطعات وتجمعات سكنية جديدة (أنبيكت لحواش، الشامي، ترمسه...). فالرئيس الذي لا شك بأنه يمتلك نظرة ثاقبة ربما يكون قد توقع بأن برنامجه الانتخابي سيكتمل، بل وسيزيد على الاكتمال، من قبل انتهاء مأموريته، مما جعله يحتاط لذلك، ويقرر أن يستحدث مقاطعات جديدة يخصص لها الوقت الضائع، والموارد الفائضة عندما يكتمل برنامجه الانتخابي من قبل اكتمال مأموريته.

فهل تصدقون بعد كل هذا، أن يعاني أي مواطن من الجوع أو العطش أو البطالة، في هذه البلاد التي تقفز في اليوم الواحد عشرات القفزات؟ فلا تصدقوهم إن تظاهروا، ولا تصدقوهم إن اعتصموا، ولا تصدقوهم إن احتجوا، فكلما في الأمر بأنهم قوم يجحدون، ولا يشكرون النعم.

حفظ الله موريتانيا..

 

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

19. يونيو 2013 - 18:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا