جديرُ بالذكر هنا وقبل ان تبدأ بالقراءة عزيزي /عزيزتي انني اكتب وانا تحت نوبة هيستيرية من البكاء دموعي تتساقط على شاشة الهاتف ثم ازيلها بطرف ملحفتي واهم بالمواصلة، التحذلق اللغوي وروعة السرد وتماسكه والمفردات البليغة كلها غير متواجدة في ذاكرتي ولا وجداني الآن ، ما اتذكرهُ فقط ان الكتابة هي ايضا فعل مقاومة وطريقة للتنديد وسلاحُ اخر في وجه المعتدين ، وقررت ان استخدم هذه الطريقة اعي جيدًا انها لن تعيد الأطفال ولا احلامهم التي رحلت معهم ولن تطبطب على قلوب الأمهات التي قذفت دفعة واحدة امام جثث أبنائهم الملقاة على الطرق وتلك التي لازالت مفقودة ولن ترمم بقايا البيوت او تبني المدارس ، لن تسعفَ الضحايا ولن تعيد الأعضاء المبتورة منهم او تعالج المرضى والجرحى ولن توقف اصوات القنابل ووحشية المحتل وبشاعة الحروب ، لكنها اسلوب لأخفف عن ذاتي اشعرها اني غير مشاركة في هذه الجرائم العلنية والتكالب الأممي على المظلوم وصاحب الحق ، طريقة تجعلني أبرر لهذه الذات النوم والأكل ومواصلة تفاصيلها اليومية، أقول لها لقد كتبت اكان هنالك شيءُ اخر بامكانك فِعلهُ غير ذلك ؟؟ ربما الاجابة ليست بكل تلك القطعية التي أعتقد/نعتقد !
وانا أشاهد قصف مستشفى المعمداني في قطاع غزة مثل غيري كل تلك المشاهد القاسية واعداد القتلى وصور الخوف والرعب المعروضة ، لم يمت امامي الطبيب والمسعف والجريح كما تناقل الجميع شاهدت ايضا كيف يموت المعنى وتنعدم الانسانية ونفقد الثقة فيها ، كيف نألف شكل القبور الجماعية والابادات الجماعية والصمتُ الجماعي، كيف يجابهُ الضميرُ احتضاره على خجلٍ ويصير الجبن هو الأصل والأسلم والموقف الصحيح كيف يصبح الوجود ثقيلا ومحنة العيش دموية ، كيف نفقد القدرة على الصراخ ذلك ان الألم هذه المرة عميقا وموجعا ،
انهُ ألمُ الفلسطينين من خذلان الجار والقريب ، قريب الدم والعرق والمسافة والتاريخ والهوية واللغة و قريب اليأس والظلم وبطشٌ الأنظمة الامبريالية ،يبكون بعد خمسة وسبعين سنة من الذبحِ أطراف اليل والنهار وسبعة عشر سنة اخرى من سجن مفتوح مفروض عليهم بكل صفاقة يأخذون بجريمة لم يقترفونها و ترتكب في حقهم المجازر يريدُ عدوهم/عدونا ان يمحوهم من خريطة الذاكرة ومن ميتافيزيقيا الحضور ومن تاريخ الوجود ، ان يصبحوا مجرد أرقام عابرة في النشرات الاخبارية و ان يتحولوا الى قصص ماقبل النوم تروى لأطفال لايحمل احد منهم الجنسية الفلسطينية عن شعب أراد حقهُ فكان مصيره النكبات والتهجير والقتل امام العالم !
يختنقون من القنابل والصواريخ ومن تزييف الحقائق، ويموتون بدون شهادات وفاة مختومة اصواتهم مشروخة ومع ذلك يتمسكون بفلسطينيتهم وقضيتهم ويقاومون ، يخرجون من تحت الأنقاض واشارة النصر تزين أيديهم المتعبة كدليل على انهم على قيد الحياة وقيد الأمل لم يصبهم الجنون ولم تفقدهم الطائرات الاسرائيلية والغارات المتواصلة قدرتهم على الثبات والايمان ، يضربون نموذجا عظيمًا للايمان بكل ابعاده ومعانيه وتجلياته ، ويخلقون لنا سببًا لنقاوم نحن ايضا احزاننا الصغرى لحظاتنا الخافتة خيباتنا و عثراتنا المتكررة ان نكون مثلهم في الصمود فهم يخرجون مع كل حرب فلسطينيين اكثر مما مضي كما قال مازن معروف .