راعني ما آلت إليه أحوال المنطقة من فلتان في مختلف المجالات، غير أن ما يجعل تعقيدات الأمور أصعب حلا والانزلاق أكثر خطورة هو دخول الاجتهادات الدينية، وعلى وجه الخصوص من هامات عالية، دون مراعاة للضوابط الشرعية والأخلاقية وبالضرورة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا لأمة تعتبر هي الروح والجسد لمعظم الشرائع السماوية عبر التاريخ.
إن العالم العربي والإسلامي منقسم اليوم على نفسه بشكل، كنت سأقول غير مسبوق في التاريخ، لولا الشواهد التي أصبحت ماثلة لكل قارئ، إن التاريخ يعيد نفسه وإن بطبعات مختلفة، وسيتتبع المقال بإيجاز بعض المحطات لعل المهتمين يعمقون الموضوع أكثر ويتنبهون إلى الخطر المحدق.
سيحاول المقال على حلقات متتالية تبيين :
1- مراحل تاريخية سابقة عاشت فيها الأمة نفس الأوضاع الحالية
2- أطراف المؤامرات السابقة
3- توظيف الفقهاء لتدمير الأمة
4- تتبع الفتاوى الفقهية المخالفة للقرآن الكريم
5- تأصيل الفتاوى الشرعية
إن غزو العقول والسيطرة على المقدرات العقلية هي الأسوأ والأكثر إضرارا، فهي السبيل لكل ما يمكن أن يلحق الأمة من هزائم وفتن وانحطاط على مختلف المستويات.
حرب اليمن وشاه إيران محمد رضى بهلاوي
حين نشبت الحرب باليمن تحمس الاخوة ملاك الثروات النفطية أو معظمهم إضافة لبريطانيا وفرنسا ولم يكن خافيا ما نتجت عنه اللقاءات البريطانية الفرنسية ساعتها من تحالف بموجبه يتم تسليح المرتزقة الذين تم اكتتابهم عبر مكاتب محبكة التنظيم مدربة الطاقم مقرها في ابريطانيا وفرنسا يديرها نائب برلماني وزير دفاع سابق لبريطانيا اسمه .............. وقد أبلت تلك الكتائب بلاء مشهودا في إزهاق أرواح اليمينيين وهي في الواقع عبارة عن خليط من المرتزقة تم لم شملهم بواسطة قنوات تتقن فن الدعاية، تعاملت معهم حسب الحاجة والموقع، فمهم من تم استدراجه بالفتاوى الدينية وفريق آخر أغري بالدولارات، ولم يكن في ذلك ما يحفظ وحدة اليمن ويحافظ على أرواح ساكنة تلك البلاد الأعز على المسلمين والعرب.
إن الأغرب في تلك الأيام هو البحث عن مصادر يمكن أن تؤمن هبوط المظليين بطائرات قادرة على أداء المهمة، هنا تمت عملية بحث واسعة النطاق لإيجاد طرف مؤتمن قادر على القيام بهذه المهمة، وامتد التفكير لكل أصقاع المعمورة غير أن الأطراف الجاهزة تتطلب غطاء يوفر لها عدم استعداء ذوي الضمائر من المسلمين والعرب.
تم التفكير في (إسرائيل) الكيان الصهيوني غير أن السعودية استهولت ذلك واحتجت عليه بحزم، وعندئذ تم الاتجاه إلى إيران خصوصا أن قائد القوات الجوية خاتمي زوج شقيقة الشاه وذلك يجعل غطاء السرية مكفولا، ولكن شاه إيران قابل هذا الطلب برفض قاطع بسبب ما يمكن أن يجر إليه من استعداء لقوى إسلامية متربصة وتحكِّم ضمائرها وإن لم يكن لديه حسب قوله أي تحفظ على العملية على أن يتولاها غيره، والمعروف أن شاه إيران كان مرتبطا بصلات وثيقة مع الكيان الصهيوني وله عبارة مشهورة كثيرا ما رددها خلاصتها أنهم دولة مساندة للعرب وصديقة ولكن ليس دولة عربية وذلك في إشارة لا يخطؤها التفكير إلى أن العرب لا ينبغي أن يبالغوا في نقده أو لومه في علاقاته مع كيان مزروع من طرف الغرب، ولم يفت على شاه إيران وهو دركي الغرب في المنطقة أن هذا الأخير هو الحامي للكيان المذكور.
لعل القارئ يتذكر مأساة هذا الرجل المسن التي جعلت الكثير من الناس، وبدوافع دينية وأخلاقية يتعاطف معه، حين لم يسمح له حليفه السابق (الغرب) أن يتعالج عنده، ولم يكن في ذلك من كرم الضيافة ولا من الاعتبارات الإنسانية ما يغري بقية الحكام بتسليم زمام قراراتهم للسادة في الغرب، وفي كل الأحوال تلك قصة أشار إليها المقال في السياق وليس هذا محل تحليلها.
حين رفض الشاه القيام بدور مباشر في الحرب لم يعد له من ملجئ غير (إسرائيل)، التي لم تكن مواقفها خافية ولا مترددة ولم يكن لديها رادع من الضمير ولا المصالح يمنعها من توفير نزول آمن لمقاتلة عصابات تم تجميعها لمواجهة الجيش المصري الذي تدخل لحماية اليمن ومنع تقسيمه.
حين تقرر المبدأ على مستوى الدوائر صاحبة القرار (فرنسا وابريطانيا) ساعتها بقيت الطريقة المثلى، ولم يكن من هو أحق ولا أقدر على القيام بهذا الدور من السيد جوليان يمري اليهودي المعروف وهو بالمناسبة الذي تولى رئاسة مجموعة أطلقت على نفسها(مجموعة السويس) وتولى قيادة الحملة الدعائية ضد القوات المصرية الموجودة في اليمين مدعيا أنها استخدمت الغازات الكيميائية وذهب بالموضوع إلى الأمم المتحدة!!.
إن تأثير القادة في الغرب له انعكاسات أكبر مما قد يبدو ظاهرا للعيان، ولكن ما يجب الانتباه إليه هو اتساع هذا المصطلح فهو يشمل المفكرين والصحفيين "وصناع الرأي العام" وأصحاب القرار السياسي والاقتصادي والعسكري.
والواضح أن تلك الجوانب تتداخل بشكل غير مألوف في بقية العالم غير الغربي. أما عندنا في المنطقة العربية والإسلامية فالصلة بين تلك الركائز التي تشكل جوهر الحياة على هذا الكوكب لا تربطها وشيجة قوية، فصاحب القرار السياسي هو صاحب القرار الاقتصادي وهو في نفس الوقت صاحب التوجيه لبقية جوانب الحياة.
إن قصة الغازات الكيمياوية تبدو قديمة في الصراع العربي من جهة، والغربي العربي من جهة أخرى، فهل لنا أن نستخلص من دروس الماضي ما يمكن أن نستفيده في الحاضر من تعامل مع موضوع الفتنة الحالية استخلاصا من دروس الفتن الماضية، وهل لنا أن نستفيد من تعامل الدول البترولية مع فرنسا وابريطانيا وأمريكا وغيرهم في سابق الصراعات العربية اليهودية الغربية في الماضي، ذلك ما ستناوله في الحلقات القادمة. يتبع ...