يبدو أن حديث الساعة منذ الآن إلى غاية حلول موعد المسرحية الهزلية لن يكون إلا عن من يشارك ومن يرفض الدخول فيها ، هذه الانتخابات التي يزمع النظام تنظيمها خلال الشهرين التاسع والعاشر من السنة الجارية ، هذه المهزلة التي يجمع أغلب السياسيين أنها لا تتوفر على المقومات اللازمة لنجاحها في ظل نظام الفرد الواحد الذي يمسك
مقاليد السلطة بقبضة من حديد، ويريد أن يفصلها على مقاسه مهما كانت الظروف ، مستغلا في ذلك جهل العامة بالظروف السيئة التي يعيشها البلد ، مقابل مجموعة قطع أرضية موزعة في أقاصي العاصمة بطرق ملتوية أكثر ما نتج عنها هو المشاكل والكثير من المظالم التي يندى لها الجبين وليست مأساة لمغيطي التي شرد على إثرها العديد من المواطنين الذين تم إحصائهم ، ليست إلا دليلا على ذلك، أضف إلى ذلك مجموعة الرسائل التي أرسلت للنظام من خلال المضايقات التي تعرض لها مسئولوه وليست حادثة حاكم دار النعيم ببعيدة. إذا في ظل هذه الظروف السيئة يحاول النظام استغلال العواطف لاستدراجهم إلى هذه المسرحية، كما كان يفعل سابقوه من الإنقلابيين الذين يتخلون عن بزاتهم العسكرية مؤقتا ليوهموا العامة أنهم مدنيين في حين هم عسكريون حتى النخاع ولا يسعون الا لتكريس نظرية الهيمنة العسكرية المقيتة.
يراد للموريتانيين أن يجروا جراً إلى مهزلة بعيدة تمام البعد عن الديمقراطية تدعى الانتخابات بطلها النظام ممثلا في القادة العسكريين المتمسكين بمقاليد الأمور بالإضافة إلى مجموعة مطبلين أُغدق عليهم من أموال الشعب حتى ارتووا وصاروا لا يرون إلا ما يرى النظام ولا يقولون إلا ما يريد، دون أن ننسى ما يسمى أحزاب المعاهدة التي أخذت على عاتقها دور أزلام النظام في التطبيل والتزمير بحجة كاذبة لا أصلا لها هي مصلحة البلد في حين يسعى كل واحد منهم إلى مصلحة ذاتية فقدها حينما كان الإبن المدلل للنظام، أو هم مجموعة مفسدين يستطيع الانقلابيين أن يجروهم للمهزلة عن طريق مآخذ سابقة كما يحدث في أزمة الأرز الفاسد مثلا.
ابتدأت هذه المهزلة منذ حوالي 20 سنة عبر الانقلابي السابق معاوية ولد الطابع عبر ما سمي زورا الانفتاح الديمقراطي في حين كان تكريسا لدور القبيلة والوجهاء وأصحاب المال العام لينتفي تماما الدور الحقيقي للعملية الانتخابية وهو إيصال أشخاص أكفاء لمناصب تمثيلية يستطيعون منها خدمة من انتخبوهم، أما الآن فصارت عملية عكسية تماما، على العامة أن يخدموا من أعطوه أصواتهم يوما.
يعتزم النظام إذا أن يلعب بعقولكم في انتخابات لا تتوفر فيها أبسط مقومات النجاح، لا مؤسسات مدنية ولا عدالة مستقلة ولا مساواة، فكيف تقبلون بهكذا لعبة اعتادت الأنظمة الانقلابية المتعاقبة القيام بها؟.
إن أي انتخابات هذه وضعيتها تعتبر ضحكا على الذقون ومحاولة مفضوحة للحصول على مناصب غير مستحقة، ومن هنا فإن التجمع الذي ساند مبادرة مسعود ولد بلخير بالإضافة إلى مسعود نفسه وحزبه والأحزاب الكرتونية التي تستظل به والخارجين من عباءة النظام من مفسدين ومرتزقة، يعتبر هؤلاء كلهم مساهمين من ناحيتين اثنتين لا تقل الخطيئة المترتبة عن إحداهما فداحة عن الأخرى، الأولى كون هذه الأحزاب تتجنى على الموريتانيين عبر ترسيخ دعائم نظام ظالم ومفسد والثانية كونها تضفي شرعية غير موجودة على هذا النظام الذي فضحه الزمن وأظهره على حقيقته الخشنة ولستُ بحاجة إلى تعداد تلك المساوئ التي أنتجها منذ جثم على صدورنا إلى الآن.
من ناحية أخرى فإن التاريخ لن يرحم وسيحاسب كل من يفكر في العمل على إرساء الصفتين السالفتي الذكر وسينكس كل هؤلاء رؤوسهم غدا وتحمرُّ وجوههم خجلا من أعمالهم الحقيرة حين لا ينفع الندم ، هذا إن كانت قد بقيت لهم وجوه أصلا.
أما بخصوص منسقية المعارضة "الديمقراطية" التي لازالت لحد الساعة لم تحدد موقفها بشكل صريح و إن كانت تصدر بين الفينة والأخرى معلومات تقول بعدم مشاركتها في المهزلة إلا أن لعبة خفيفة من النظام يستطيع أن يقلب بها مواقفها رأسا على عقب وستكون حججها جاهزة لا محالة وهي أن الدخول في " المسرحية الهزلية" مصلحة عامة وخطوة لمنع النظام من السيطرة على مقاليد الحكم وتسيير البلاد بأحادية، ومنه فإن المعارضة " الديمقراطية " إن كانت تسعى للإبقاء على ماء وجهها عليها عدم الدخول في هكذا عملية فاقدة للشرعية من الأصل خاصة أن بعض أحزاب المنسقية يعتبر نفسه ذا شعبية تسمح له بدخول هذه " الانتخابات" ولأنه يمتلك وسائل دعائية ما فهو مستعد لدخول مغامرة معروفة النتائج خاصة في ظل هكذا نظام.
إذا تعتبر مقاطعة هذه الانتخابات وعدم الإسهام فيها من قريب أو بعيد هو الضربة القاضية التي ستفقد النظام شرعية تنظيم هذه المسرحية، ومن باب أولى شرعيته المفقودة، خاصة إذا كانت المقاطعة شعبية فهي ستكون أنجح وأكثر فاعلية ، يدعم ذلك المآسي العمالية المنتشرة والمطالب المشروعة التي خلفتها السياسات غير المحسوبة من النظام أزلامه المرتشين.