ليس هناك أسوء من العبث بعقول الشعوب وانتحال صفة المخلص والمنقذ والإمام في تصورهم وبيعهم في النهاية بثمن قليل دراهم معدودة أو منصب قريب من أقدام السلطان .
في تاريخنا المعاصر ودولتنا الفتية تتناثر الأقنعة كل يوم حتى كأننا بتنا نستوردها من الصين.. مقنعون بالفن
ومقنعون بالعلم والثقافة والدين ومقنعون بالوطنية وحب الوطن . لكن قناع الوطنية بات اليوم أحد أبرز الأقنعة التي يتزين بها بعض ساستنا المحليين والذين نعتبرهم رموزا (للأسف) ليصنعوا من وراء هذا القناع مجدا ويجنون ثروة ومنصبا الله أعلم بأهليتهم له .
وليس قناع الوطنية حكرا على وجه واحد في هذا البلد بل بات تلبسه العديد من الوجوه كل ما اقتضت ضرورة لمصالح ذالك والمصالح هي المحرك الأساسي لهؤلاء الفرسان المقنعين الذين يصولون ويجولون بين الفقراء البائسين (الشعب) والذين يبيعون الوهم ويخدمون جهات ومصالح حتى هم لا يدركون مدى خطورتها على البلد الذي يعيشون فيه . ولكن فهمهم المتواضع وسوء تقديرهم للوقائع والواقع والتاريخ يجعلهم يعتقدون أن كل من يجنى ثروة ويخدع الناس بقناعه الطائفي العنصري الأسود سيعيش ثريا حرا ويخلد رمزا وطنيا للكفاح ! أي مهزلة وأي وقاحة ؟
من مصلحة الأنظمة الفاسدة وجود سياسيين فاسدين وأئمة مضللين ومن وسماسرة لخلق توازنات سياسية (ظالمة) لقهر إرادة الشعوب وطمس الحقائق وبناء منظومة جديدة من العلاقات الطبقية والعنصرية لضمان التخدير الفقراء(الشعب).
إن القناع الأسود بدأ يظهر على وجوه جديدة لها أهداف جديدة ومآرب الله أعلم بها ولكن الإضافة الجديدة لتي تميزه المقنعين بهذا القناع هي العنصرية المفرطة والتورط في ولاءات غامضة الله أعلم بحدودها ومخططاتها الحقيقية المخفية خلف القناع. أما الأهداف والتوجهات المعلنة للشعب (الضحية) فهو نضال حقوقي وتضحيات جمة تقابل بالرفض . وتتحول القضية إلى صراع عنصري وطائفي وعرقي محموم لا يخلق سوى مزيدا من العداء ومزيدا من الشقاء تتقاسمه شرائح المجتمع الموريتاني .
قلة الوعي والسياسي وطبيعة الشعب الموريتاني المسالم جعلت الكثير من المواطنين يصدقون الشعارات والإيحاءات المسمومة التي يتسلح بها فرسان القناع الأسود على تنوع أشكالهم وألوانهم وإنعكاس ذالك جلي على حياة المواطنين (الشعب الفقير في دولته الغنية ) وعلى التعقيدات التي تحول عيش المواطنين وكدحهم اليومي لتحصيل أرزاقهم إلى معاناة لا تنقطع لا يجدون لها سببا ولا يرون لها حلولا في الأفق .
نعم لقد أصبحت مسألة الوحدة الوطنية أولوية في المرحلة الراهنة من تاريخ البلد وأصبح التوافق الوطني مهما جدا لبناء مستقبل زاهر لهذا البلد ولقطع الطريق على أي إنقسام في التشكيلة المجتمعية خاصة مع التغيرات التي تقبل عليها البلاد سواء السياسية أو المجتمعية التي يجب أن تتمخض عن نتائج مهمة وإلا فالبلاد على شفى مصير غامض لن تتبين ملامحه في المستقبل القريب على الأقل.
وليس للأطراف الموجودة في الساحة اليوم لا القدرة الفنية ولا العقلانية السياسية لفهما وإستيعابها وملاحظتها بل إن التستر والاختباء خلف الأقنعة هو الحل الوحيد لإيهام من يمكن إيهامه أننا نحافظ لا سلامة الوطن ! وعلى حريات شرائح المجتمع ! ونبحث عن التوافق ! والطريف في الأمر أننا نقف في الحياد من كل الجهات السياسية والمجتمعية بحثا عن مصلحة الوطن!.
لكن التغيرات السياسية والمجتمعية الإقليمية منها والمحلية فتحت أعيننا على حقائق مروعة حول الوضع الراهن للبلاد وحول الدعوات ذات الطابع العنصري البغيض والطائفي الجاهلي إن التي تتستر بقناع الوطنية والحقوق ...
لم يعد القناع ناع العنصري الأسود الذي يختبئ خلفه الكثير من النشطاء والسياسيين (الكبار) مبهرا كما كان ولم يعد تأثيره سحريا على قلوب الناس كما كان فكثرة إستخدام هذا القناع لنشر الفوضى ونشر الفتنة و النعرات الطائفية والشعب اليوم أصبح يفهم أن لعبة المصالح هي التي تحرك معظم الفاعلين في الساحة الوطنية وبات يدرك التشابه بين الشخصيات والتوجهات والرؤى وعلى هذا الأساس يجب أن تتغير التوازنات ويجب أن تسقط الأقنعة لبدأ مرحلة جديدة وتصحح أخطاء الماضي وتجعل من تصحيح المسار الوطني في السياسية والدين والثقافة والتعليم والصحة ولا مكان فيها للمتاجرين بالشعرات العنصرية ولا للمتاجرين النعرات القبلية الجاهلية ولا مكان فيها للأقنعة .
محمد حسن ولد أمحمد صحفي وكانت [email protected]