قابلت قبل أيام أحد الوجوه المعروفة في المشهد "الثقافي "الموريتاني و بدأ بتحليل تجربتنا في 25 فبراير، حيث قال لي :
"كان سبب فشل حراككم وانتفاضتكم هو أنه لم تسبقه تراكمات مثل ما حدث في مصر... فالثورة المصرية كانت نتاج لعمل تم على سنين وتمخض عن انتفاضة شعبية ،وكانت نتيجة
لتضافر جهود الشباب والنخبة المثقفة وأصحاب التجارب الكبيرة" ،وحدثني عن حركة كفاية وتجربة 6 إبريل، و تلاقح الأفكار بين كل التيارات ،و تبادل الخبرات بين الأجيال "، فأجبته قائلاً :
فعلا الثورة المصرية كانت نتيجة لتراكم وعمل مضن وجهد جبار من جميع مكونات الشعب،من مثقفين وشباب،من عمال ونشطاء سياسيين وحقوقيين ومدونيين ومبدعين وتحليلك منطقي،ولكن.
نحن خرجنا يوم 25 فبراير 2011 بشكل عفوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، طالبنا بالدولة المدنية وسقوط حكم العسكر،ومازلنا في الشارع ولم نتراجع عن مطالبنا رغم ما واجهناه من قمع وتنكيل وإحباط وخذلان ومازلنا نحاول الاستمرار، وكان من نتائج خروجنا هو ترسيخ ثقافة الاحتجاج لدى المواطن الموريتاني، فالاحتجاجات انتشرت بعد انتفاضتنا في كل أرجاء الدولة ومازالت مستمرة ،فعمال خرجوا وناضلوا وكذلك فعل الطلاب وسكان المدن الداخلية ،نحن نمثل ما تمثله حركة 6 إبريل في مصر ،فهي ذلك الشباب الذي دعم عبر شبكات التواصل الاجتماعي إضراب العمال وتبناه وحاول أن يعم تراب مصر و بدأ بطرق أبواب النضال من دون خوف وكسر حاجز الصمت وروج لفكر جديد وتعامل آخر مع النظام القمعي،نحن نمثل الشباب الموريتاني الطامح لغد أفضل ويحاول جاهداً أن يكون في مقدمة مشروع التغيير...لكن أين من يمثل حركة كفاية والنخبة المثقفة وأصحاب التجارب والخبرات ؟ أين أمثال عبد الحليم قنديل الذي لم يخفه اختطاف نظام مبارك له من أمام منزله ووضع غطاء على عينه وتجريده من ملابسه ورميه في الصحراء في محاولة لإذلالهم ولم تجعله محاربة مبارك له في رزقة يركع ويسلم الراية ويطلب الغفران بل زادته إصراراً، وظل يبشر بالمليونيات التي ستسقط مبارك ونظامه ؟ أين أمثال جورج إسحاق والمسيري وأستاذة الجامعات والنشطاء السياسين والكتاب والمبدعين الذين وقفوا ضد مشروع التوريث وصرخوا في وجه مبارك وقالوا لن نقبل بابنك رئيساَ لمصر وتحملوا القمع والتنكيل ؟ أين المثقف العضوي كما يراه أنطونيو غرامشي، المثقف الذي يتحدى السلطات ويلتحم بالجماهير ويعي دوره التنويري ويرفض الاستبداد الواقع على كاهل الشعب ويحارب من أجل تحريره من الظلم والطغيان ...المثقف الذي يتصدى بفكره للأنظمة المستبدة الظالمة و يصارع من أجل كشف بشاعتها وزيفها ويتحمل قمعها ويرفض الرضوخ لإغراءاتها؟ وختمت كلامي قائلاً:
ما نحن فيه اليوم من تخلف وقهر هو نتاج لتملق نخبتنا"المثقفة"ولعقها لأحذية العسكر على مدى أكثر من ثلاثين سنة ،ومحصلة طبيعة لنزوع هذه" النخبة "نحو البحث عن المناصب وتكديس الأموال وعلو صوت مثقفي السلطة،غادر الرجل بعد كلامي وتركني مع أسئلتي.
لكن جعلني الحديث معه أتذكر أنه من اللازم أن نوقظ نخبتنا" المثقفة "حتى تنبذ عنها السلبية وتنتفض ضد حالة الضياع التي تسكنها وتلعب دورها في عملية التغيير وتستقل قطار الثورة على الظلم والانتصار للمسحوقين وتعي أنها جزء مهم في معادلة التغيير وأن التاريخ لن يرحم من يتخاذل منها .