ملاحظات على مشروع قانون "كرامة" (3) / د. المختار ولد آمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد فهذه الحلقة الثالثة من نقدي لمشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة والفتاة، والذي يطلق عليه مروجوه (كرامة).
وأستكمل ملاحظاتي عليه بادئا بالمادة 3:
م 3 : نصها "لا تسقط بالتقادم الجرائم التي ينص هذا القانون على أنها جنايات".
ويكفي ما في هذا النص من تجريم الآباء والأمهات والأجداد والجدات – الأحياء منهم والأموات – على تصرفاتهم التأديبية لبناتهم عبر التاريخ، والتي هي - في الأصل – محمولة على المصلحة عند فقد التهمة.
م8: تحيل إلى مؤسسة سوف تنشئها الدولة – مجهولة الضوابط والآليات والصلاحيات - بهدف إشاعة منكر القذف في المجتمع والتهوين من أمره، والله عز وجل قد قال: (لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).
ولمزيد الخداع ختموا المادة بعبارة "بعد استشارة المجلس الأعلى للفتوى والمظالم" وكلنا يعلم أن رأيه – عند مروجي هذا القانون - مضروب به عرضُ الحائط.
م 13: نصها: "يمكن لضحية الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أن تستفيد طيلة المسطرة القضائية من مؤازرة شخص طبيعي أو معنوي تختاره. فضلا عن محاميها".
وهذا فتح للمجال واسعا أمام الغرباء وعملاء السفارات الأجنبية ومنظماتهم في التدخل بين الرجل وزوجه، والأب وابنته...إلخ.
م19: توجب نزع الفتيات والزوجات من أحضان أسرهن، وحشرهن في (مراكز إيواء) تجمعهن، فمن ترى يدير ويرعى ويتابع هذه المراكز المخصصة لفتيات منزوعات – قسرا – من أسرهن؛ ولا هدف لهذا النزع إلا حريتهن؟! وأي حرية؟!
م20: عنوانها: تنظيم وتمويل المرافق (يعنون مراكز الإيواء) وفيها: "يجب أن يضم طاقمها المتخصص، على الأقل مرشدة دينية...".
وإذا علمنا أن مراكز الإيواء هذه لن تكلها الأمم المتحدة ومنظماتها إلا لمن تثق فيه فعلينا أن نجزم بأن تلك المرشدة الدينية (راهبة كنسية) حصرا، وإذا أقر القانون فسيكون عملها وفق القانون، ولا حق لأحد في إعاقتها.
م25: تقول: "يعتبر اللمس الجنسي المتكرر للمحارم محاولة للاغتصاب ويعاقب بعقوبة محاولة الاغتصاب".
ومع ما في هذا النص من الركة والسماجة – ولعله بسبب الترجمة من النص الأجنبي - فما معنى "اللمس الجنسي"؟ وفي أي قانون حدد؟ وكيف ترتب عقوبة منصوصة مقننة على أمر غير محدد؟
م28: تقول: "يعد مرتكبا لجريمة الاحتجاز والاختطاف كل من يحتجز أو يختطف بغير حق امرأة أو فتاة تربطه بها علاقة زواج أو نسب، وبقصد الأذى والإضرار" فما معنى "الاحتجاز" ؟ وهل منه لو منعت ابنتك أو زوجتك من الخروج مع خِدْنٍ آخرَ الليل؟! وما معيار "القصد" والعهد به من أعمال القلوب التي لا يُطلع عليها؟!
فإن قال مدافع عن مشروع القانون إنهم وضعوا قيد (بغير حق) فنقول: ما معيار الحق عندكم؟ وإن مواد هذا القانون – فضلا عن الوثائق الدولية التي استل منها - لصريحة واضحة في أن "الحق" فيه ليس جزماً ما وافق الكتاب والسنة!
م30: تقول: " كل من يشهد عنفا ضد امرأة أو فتاة، ولم يقم عن قصد و دون وجود مانع بتبليغ السلطة بذلك، يعاقب...." وتقول م39: "ييلِّغُ كل من يحصل له العلم بحالة عنف تم ارتكابها أو قيد الارتكاب ضد امرأة أو فتاة، على الفور ضابط الشرطة القضائية، أو النيابة العامة، أو القاضي الذي يقع في دائرته، أو أي سلطة أخرى".
وهاتان المادتان توجبان على الناس التجسس على بعضهم، وتعاقب من لم يفعل! وقد قال الله تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» (البخاري 7/ 19 ومسلم 4/ 1985).
وعن سهل بن سعد الساعدي أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدرًى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينك» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإذن من أجل البصر» (البخاري 7/ 164 ومسلم 3/ 1698).
و(المِدرى) عودٌ يحكُّ به الجسد.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن، فخذفته بحصاة، ففقأت عينه ما كان عليك من جناح» (البخاري 9/ 7، ومسلم 3/ 1699).
والمنصوص في الفقه أن حقوق الناس فيما بينهم لا يشهد فيها بدون طلب، وإن شهد فيها بدونه ردت شهادة الشاهد لشبهة اتهامه، قال الشيخ خليل في المواضع التي ترد فيها الشهادة: ” (أو رفع قبل الطلب في محض حق الآدمي) قال الخرشي: هذا هو الحرص على أداء الشهادة، وهو مانع من قبولها، والمعنى أن الشاهد إذا رفع شهادته قبل أن تطلب منه فإنها لا تقبل، وهي باطلة؛ لأنه شهد قبل أن يستشهد".
م31: استبدلت العقوبة الشرعية للقذف – وهي ثمانون جلدة في كتاب الله -  بالحبس والغرامة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}.
م33: نصت على عقوبة من "كل من أكره امرأة أو فتاة على الزواج" ودخل في ذلك المطلقة الرجعية، والشريعة جبرتها على الزواج منه ما دامت في العدة بلا خلاف، قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً} وجاز جبر الوالد ابنته المجنونة والبكر، والوصي... إلى آخر ما هو مقرر في الفقه.
م37: جاء فيها: " كل من يرفض تسجيل زواج شرعي لامرأة أو تسجيل مولود شرعي له من تلك المرأة، يعاقب...":
ويدل هذا النص بمفهومه الواضح على إقرار وإباحة أي زواج "غير شرعي" وأنه لا تترتب عليه إجراءات، بل ولا عقوبات، خاصة إذا علمنا أن هذا القانون لم ينص على تجريم فاحشة الزنا في أي مادة، ولك أن تتخيل عديد الصور التي يصدق عليها الزواج غير الشرعي، والتي وضعت لها الأمم المتحدة قوانين تحميها تعرف بقوانين مجتمع الميم (المثليون والمتحولون جنسيا ومزدوجو الميول الجنسية) أو(lgbt)!
م38: نصها: "يحرم كل مدان بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادتين  24 و 25  من هذا القانون، من الظهور في الدائرة التي تحدد المحكمة حدودها لمدة خمس  5 سنوات على الأقل".
وهذه من أخطر وأخبث ما في هذا القانون، ومقتضاها أن الطفلة المنزوعة من أبويها قسرا يحظر عليهم الاقتراب منها بمسافة يحددها القاضي - ولمدة خسة أعوام – حتى لا تشتاقهم أو تميل إليهم، أو يحاولوا إقناعها بمصلحة، أو التأثير على قناعتها التي زرعتها فيها مراكز الإيواء!
ولقد حلت كارثة – بموجب مضمون هذه المادة في إسبانيا قبل سنوات – بأسرة موريتانية زوجت ابنتها قبل سن 18 فسجن الزوج والوالدان، ثم انتزعت الفتاة من أهلها، ومنعوا من الاقتراب منها مسافة معينة، إلى أن آل أمر العائلة إلى العودة للوطن بدون ابنتهم التي انتزعت قسرا، ونُصرت قهرا وإلى الأبد، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
م54: تعطي الحق للمجرمين وجواسيس السفارات الأجنبية وأصحاب منظمات الحقائب الوهمية في حرق المجتمع، وذلك برفع الدعوى في كل النزاعات الناتجة عن تطبيق هذا القانون، وجعلهم طرفا مدنيا في أي قضية يرغبون في استغلالها لزعزعته!
م55: نصها: " يلغي هذا القانون جميع الأحكام السابقة المخالفة".
وهذه أخطر مادة في هذا القانون، وهي أهم ما يحتاج مروجوه لإقراره، ولو لم يبق منه سواها لكفتهم في تحقيق مآربهم الشريرة؛ إذ يعتبر هذا العموم الصريح المقصود هنا في الختام ناسخاً ما قبله ومهيمناً عليه، وهو مؤيَّدٌ ومشروحٌ بما جاء في اتفاقية (سيداو) في المادة 2 الفقرة (ز) ضمن ما تتعهد به الدول الموقعة على الاتفاقية، ونصها: "إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة" وجاء نص المادة (24) كما يلي: "تتعهد الدول الأطراف باتخاذ جميع ما يلزم من تدابير على الصعيد الوطني تستهدف تحقيق الإعمال الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية".
وهو يكشف بجلاء أن أي عبارة وردت في المواد أعلاه مدعيةً الإحالة إلى القوانين السارية، أو "عدم المساس" بما هو مقرر من قوانين سابقة على هذا القانون أو مُقرّة لها ما هي إلا خدعة لفظية جوفاء، وذرٌّ للرماد في العيون.
على أن المرجع دائما في تحديد ما هو تمييز من عدمه، وما هو حقوق أو غير حقوق هو هذه الاتفاقية واتفاقيات ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة.
فنسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يحفظ بلادنا ودينها وأمنها ووحدتها، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد نبيه وعلى آله وصحبه.

 

5. نوفمبر 2023 - 12:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا