هذه رسالة مفتوحة كتبتها بعد تنصيب باراك أوبوما رئيسا للولايات المتحدة قررت أن أعيد نشرها، بدون أي تغيير، وذلك بمناسبة زيارته للجارة السنغال.
" جرأة أمل "
لقد وجدت من الضروري أن أكتب لكم هذه الرسالة المفتوحة وذلك بعد أن تابعت ـ مثلي مثل مئات الملايين من المسلمين ـ حفل تنصيبكم وخطاب التنصيب الذي ألقيتموه في هذا الحفل ، وهو خطاب كان بمثابة "جرعة أمل" لا تقل أهمية عن تلك الجرعة التي تولدت في نفوس الملايين من المظلومين والمستضعفين بعد فوزكم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية .
بدءا أرجو أن تسمحوا لي باستخدام عنوان كتابكم " جرأة أمل " ـ الذي يؤسفني أني لم أطالعه حتى الآن ـ كعنوان لهذه الرسالة وذلك لأني لم أجد ما أعنونها به أفضل من ذلك العنوان ، وأنا أتمني فعلا أن تكون سنواتكم الأربع أو الثمانية القادمة جرعة أمل لكل شعوب الأرض يكون فيها لكل إنسان ـ أي إنسان ـ الحق في أن يعيش كريما حرا آمنا يحترمه الآخر ويحترم هو الآخر .
ولأن قدرنا ـ شئنا ذلك أم أبينا ـ أن نعيش معا علي هذا الكوكب ، فإنه يتحتم علينا جميعا أن نبحث عن أفضل السبل للعيش الكريم لنا ولأجيالنا القادمة وذلك حتى لا تغرق بنا السفينة التي تعددت الثقوب فيها والتي يؤسفنا أن نقول إن أكثر الثقوب وأكبرها وأقدمها يوجد في عالمنا العربي والإسلامي وأن سياسة بلدكم الخارجية لم تزل تؤدي إلي خرق السفينة في أماكن عديدة من عالمنا الإسلامي .
وأنا لست هنا بحاجة لأن أقول لكم بأنه عندما تغرق السفينة فلن يكون وقتها هناك فرق بين من كان مقعده فاخرا مثلكم أو من كان مقعده متواضعا مثلنا أو من يراد له أن لا يكون له أصلا مقعد في هذه السفينة كالشعب الفلسطيني المظلوم منذ عقود من الزمن.
سأحدثكم بصدق وبصراحة قد لا يحدثكم بها غيري، وستجدون في هذه الرسالة مشاعر و أفكارا" خاما " لمسلم بسيط عادي قد تكون هي أفضل تعبير عن ما يدور في أذهان مئات الملايين من شعوب عالمنا الإسلامي ، كما أني سأقتصر في هذه الرسالة علي ما يهمني بشكل مباشر ـ كمسلم ـ من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وإن كنت لا أستطيع أن أنكر بأن كل ما يحدث في بلدكم ينعكس بدرجة أو بأخرى علي حياتي اليومية لذلك فأنا أتمني لكم النجاح في تجاوز الأزمة المالية التي تسبب فيها بلدكم نتيجة الجشع وعدم المسؤولية كما قلتم في خطاب التنصيب والتي تنعكس آثارها السلبية علي العالم كله.
لا أخفيكم بأني لم أعد معجبا بأمتكم العظيمة أمريكا والتي كان من المفترض أن أحترمها لأنها شكلت نموذجا فريدا من نوعه و قدمت للبشرية في القرن الأخير ما لم تقدمه أمة أخري ، كما أن ديني ـ وهذا ما يجب أن تعرفوه ـ هو دين محبة وسلام للإنسانية جمعاء وبالأخص بمن يدين منها بالمسيحية كغالبية شعبكم .
ديننا الإسلامي ـ وهذه حقيقة يؤكدها التاريخ ـ هو الذي جعلنا نستقبل اليهود بصدور رحبة عندما كانت أوربا تخيرهم بين ترك ديانتهم اليهودية أو القتل ،استقبلناهم في الأندلس وعاشوا معنا كما كنا نعيش ، لا فرق ، وبعد هزيمتنا في الأندلس استقبلناهم في الدولة العثمانية وعاشوا أيضا معنا كما كنا نعيش وهو ما أشار إليه أخيرا الرئيس التركي.
في هذه الرسالة قد تجدون جوابا لسؤال طرحه سلفكم عندما سأل ذات مرة وهو يقصد بسؤاله المسلمين: لماذا يكرهوننا ؟ ومع أني أعتقد بأن المنطق كان يفترض أن يوجه المسلمون ـ وهم الضحية دوما ـ نفس السؤال لسلفكم: لماذا تكرهنا ؟
فمن المعروف أن أهم حدث حبس الأنفاس وأثر كثيرا علي العلاقة بيننا وبينكم هو أحداث 11 سبتمبر وذلك عندما قامت مجموعة محدودة بتدمير برجين كانت ردة فعل سلفكم عليها هي احتلال دولتين من العالم الإسلامي رغم أن كل الدول الإسلامية استنكرت وأدانت تلك العمليات بل أن بعضها أيضا كان ضحية لبعض العمليات الإرهابية من نفس المجموعة .
ومما لا يحتاج إلي تأكيد هنا هو أن العراق ليست له ـ قطعا ـ أية علاقة من أي نوع بتلك الأحداث ومع ذلك قُتِلَ من شعبه ما يزيد علي مليون من الأبرياء في حرب قال سلفكم بأنها لمواجهة الإرهاب وهو الذي اعتذر في نهاية حكمه بأنه يأسف ـ وكأن كلمة آسف تكفي ـ لما قام به في العراق لأنه اعتمد علي كذبة من المخابرات الأمريكية قتل بموجبها مليونا وزيادة من العراقيين الأبرياء .
والحقيقة أن هذه الحرب الطائشة لم تشكل خسارة فقط للعراق الذي أدخلته في صراعات طائفية ومذهبية خطيرة أصبحت تهدد أمنه وأمن المنطقة بكاملها ، بل أنها شكلت كارثة علي أمريكا نفسها التي زادت هذه الحرب من أعدائها رغم أنها فقدت في هذه الحرب من جنودها ما يزيد علي ما فقدت في أحداث 11 سبتمبر ، هذا فضلا عن المبالغ الطائلة التي أنفقتها علي هذه الحرب والتي ربما تكون قد ساهمت في حدوث هذه الأزمة المالية التي يعيشها العالم اليوم .
148مليار دولار تنفقها أمريكا سنويا علي حربها في العراق لو أنفقتها في الحرب علي الفقر والجهل والمرض في العالم الإسلامي لكانت صورة أمريكا تختلف تماما عن صورتها الحالية ولما احتاج سلفكم أن يتساءل لماذا تكرهوننا ؟ لأنه وقتها سنواجه نحن أعداء أمريكا بالنيابة عنها لأنهم لن يكونوا ساعتها مجرد أعداء لأمريكا فقط .
لقد ساءت كثيرا سمعة أمريكا خاصة في السنوات الأخيرة ونحن تتمني أن يكون السبب في ذلك مرتبطا بأخطاء تلك الإدارات السابقة لأن شعبكم المتميز يستحق سمعة أفضل من سمعته الحالية فهو الشعب الذي يقدم لنا اليوم هذا الدرس الرائع في الديمقراطية الذي أوصل من خلاله رجلا من أصول إفريقية والده مسلم إلي البيت الأبيض لأنه كان هو المرشح الأفضل رغم أن أباه كان لا يمكن له أن يحصل علي طعام من مطعم محلي كما قلتم في خطاب التنصيب، بل أنه كان ينظر إليه علي أنه لا يشكل إلا ثلاثة أخماس من قيمة الرجل الأبيض . ومن المؤسف جدا أن هذه النظرة العنصرية التي تفرق بين البشر حسب ألوانهم أو معتقداتهم هي التي ينظر بها صناع القرار في بلدكم لشعوبنا العربية والإسلامية.
لقد أصبح الإنسان العربي المسلم لا يمثل إلا 1% أو 2 % .ـ حسب وجهة نظر سلفكم ـ من قيمة الإنسان اليهودي أو الأمريكي، فأن يموت المئات من الفلسطينيين بسلاح أمريكي فهذا حدث لا يستحق أي اهتمام، أما أن يجرح إسرائيلي واحد فتلك مأساة إنسانية تستحق أقسي أنواع الشجب والتنديد من كل حكومات العالم " المتحضر".
كثيرا ما يستفزني بعض الأمريكيين عندما يتحدث عن "الكلفة المالية " للحرب علي الإرهاب ولا يهتم بالكلفة البشرية لهذه الحرب وأنا هنا أتحدث عن خسارة كل الأطراف بما فيهم آلاف الجنود الأمريكيين وما يزيد علي المليون من العراقيين ، أي أنه لو تمكن الأمريكيون من استعادة ما خسروه من مال لما تحدث هؤلاء عن ضرورة الانسحاب من العراق ووقف هذه الحرب التي شكلت صفحة سوداء في تاريخ بلدكم الذي تكثر فيها الصفحات السوداء ـ علي الأقل ـ إذا كان من يقرأ هذا التاريخ إنسان عربي مسلم بسيط مثلي .
لن أحدثكم في هذه الرسالة عن تلك الصور المؤلمة والقاسية التي يكاد يستحيل أن أنساها (القرآن ـ وهذا هو أقدس شيء عندي كمسلم ـ يمزقه الجندي الأمريكي ، مساجد تدمر ، صور لا تطاق رؤيتها في أبو غريب وكوانتانامو ).
لن أحدثكم أيضا في هذه الرسالة عن أحداث "غزة " الأخيرة والتي لا بد أنكم شاهدتموها رغم صمتكم الرهيب الذي لم أقتنع بتبريره وإن كان في كل الأحوال أفضل بكثير من تعليقات سلفكم ووزيرة خارجيته التي كانت لا تخجل من مطالبتها بوقف تهريب السلاح إلي " حماس " كلما تمادت إسرائيل في قتل الشيوخ والنساء ورجال الإسعاف والصحفيين وحتى الأطفال الموجودين في المقرات التابعة للأمم المتحدة والتي لم تسلم حتى في اليوم الذي كان يزور فيه الأمين العام للأمم المتحدة إسرائيل .
لن أحدثكم عن هذه الأمور الشائكة وإن كان يؤلمني حقا أني علي يقين أنه لو حدث العكس ولو بنسبة 1% لكانت ردة الفعل ـ علي أقل تقدير ـ هي التلويح باستخدام البند السابع الذي أصبح لا يهدد به إلا العرب والمسلمون .
لن أحدثكم عن هذه الأمور وإن كنت لا أخفيكم بأن أمنيتي ـ التي يبدو أنها لن تحقق قريبا ـ هي أن أعيش في عالم يستنكر قتل كل نفس بريئة بغض النظر عن جنسيتها وعن دينها ، في عالم عدالته عدالة واحدة وإنسانيته إنسانية واحدة لا تتغير بتغير الضحية ، وديمقراطيته ديمقراطية واحدة يتم احترام نتائجها في أمريكا عندما تنتخب رئيسا أسودا ، مثلما يتم احترام نتائجها في فلسطين عندما يصوت شعبها لحماس .
لن أحدثكم عن هذه الأمور المؤلمة التي تحدث في " غزة " بل سأكتفي هنا بأن أذكر لكم قصة واحدة من مئات القصص التي تحدث يوميا في " الضفة الغربية " والتي يراد لنا أن نصدق بأنها دولة لها سلطة كان من حظ رئيسها أنه كان أول رئيس تتصلون به هاتفيا بعد تنصيبكم . شاب يسكن في قرية يقرر الزواج بفتاة تسكن في قرية أخري من " الضفة الغربية "، وبعد أن يئس الخطيبان من إمكانية إقامة الحفل في أي من القريتين بفعل الحواجز قررا في الأخير أن يسافرا مع بعض الأقارب والأصدقاء إلي " الأردن " لإقامة حفل الزواج .
هذه هي الدولة الفلسطينية "العظيمة "التي تمخضت عن كل تلك السنوات الطوال من المفاوضات العبثية والتي لم تكن أمريكا فيها وسيطا محايدا.
أيضا وللأسف الشديد يبدو أن هذه السلسلة الطويلة من المفاوضات قد نشهدها في عهدكم لأنه يبدوا أنكم ستتعاملون مع هذه الأزمة المعقدة بنفس الأساليب التي أفرزتها، هذا ما ظهر لنا بعد يومكم الثاني في البيت الأبيض الذي أشدتم فيه بدور بعض الرؤساء العرب وتحدثتم فيه عن أحداث "غزة " وكأنها بفعل زلزال لا يمكن أن تُحََمَّلَ إسرائيل نتائجه ، بل أنكم حاولتم ـ وإن كان بطريقة قد تكون أكثر حياءً وأكثر لباقة من سلفكم ـ أن تحملوا" حماس " مسؤولية ما حدث .
كم هو فظيع أن يتعامل العالم بأسره مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل وكأنها كوارث طبيعية لا مفر منها ، أقصي ما يمكن فعله هو أن يتم إعادة إعمار جزء مما تم تدميره قبل أن تقرر إسرائيل أن تدمره مرة أخري وبشكل أفظع .
قطعا سيكون بالإمكان تقديم "طبعة جديدة " غير مصححة وغير منقحة من مسرحية " أوسلو " أو " أنابولس " مع بعض التعديلات الطفيفة ، وستجدون بالتأكيد من يروج لهذه المسرحية من القادة والزعماء العرب ، سيقبلكم بعضهم ذات اليمين وسيقبلكم بعضهم ذات الشمال وسيرقص معكم البعض الآخر رقصة السيف ،المهم أن لا تشعروهم بأنهم رؤساء صلاحياتهم منتهية وأن لا تجعلوهم يستفيقوا من سكرتهم التي تمنيهم بأن حكمهم دائم أو علي الأقل إلي ورثتهم صائر .
وسيكون بإمكان إسرائيل أن ترتكب حماقات جديدة دون أن تجد من يردعها وسينكشف يوما بعد يوم مدي الإفلاس الذي يعيشه عالمنا اليوم ، وقد يحدث بعد ذلك كله أن يستخدم أحدهم حذاءه للتعبير عن سخطه مما يحدث .
هذا ما قد يحدث داخل "قاعة العرض " ولكن هناك أشياء أخري ستحدث خارج القاعة أعتقد أنه من الضروري أن أحدثكم عنها .
سيزداد وعي الشعوب الإسلامية وستتأكد الغالبية من هذه الشعوب أن القضية الفلسطينية ـ والتي هي بالمناسبة كانت ولم تزل وستبقي قضية العرب والمسلمين الأولي ـ لن تجد حلها عن طريق " الأمم المتحدة " ولا عن طريق مفاوضات القادة العرب بعد أن أصبح السلام هو خيارهم الإستراتيجي ، كما فشلوا سابقا في حلها أيام كانت الحرب مع إسرائيل هي خيارهم الإستراتيجي .
ستزداد قناعة الشعوب بأن المقاومة الشعبية والتضامن معها ونصرتها بشتى الوسائل بما فيها مقاطعة المنتجات الأمريكية هي السبيل الوحيد لمناصرة الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن قضية عادلة لم تجد رغم مرور ستين عاما ـ يوم كان والدكم المسلم رحمه الله لا يُخْدَم في المطاعم ـ الحد الأدنى من الإنصاف من طرف حكومات العالم "المتحضر " وإن كانت قد وجدت الكثير من التعاطف المتنامي ـ وهذا ما يجب ذكره ـ من طرف العديد من الأحرار في هذا العالم بما فيهم من ناصرها من الشعب الأمريكي .
ربما يكون من المفيد أيضا أن أذكر لكم هنا أني مثلي مثل مئات الملايين من المسلمين أومن إيمانا كاملا بأن من تظلمهم إسرائيل الآن سينتصرون في النهاية ، لا أشك في ذلك ، فالمسلم يؤمن بأن النصر هو وعد إلهي و المهم أن يدافع عن حق وعن قضية عادلة وأن يستخدم كل الوسائل المتاحة أمامه للدفاع عن هذا الحق حتى ولو كانت مجرد حجارة في يد طفل صغير،أو كانت مجرد صواريخ مصنعة تقليديا لا أدري لماذا يرتجف منها العالم " المتحضر " الذي لم يهمس يوما بكلمة أو بإشارة تعبر عن خوفه من السلاح النووي الإسرائيلي ؟
تلك الحقيقة هي ما نفسر به انتصار الشعب اللبناني في جنوب لبنان وانتصار الشعب الفلسطيني في قطاع "غزة " في مواجهة الآلة العسكرية المخيفة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي .
هذه الحقيقة الدينية هي أيضا حقيقة تاريخية ، فالتاريخ يقول بأن من يصر علي الدفاع عن الحق سينتصر في النهاية ، لذلك فنحن نؤمن بأن الشعب الفلسطيني سينتصر في النهاية ونؤمن كذلك بأن كل حماقة جديدة ترتكبها إسرائيل بغطاء أمريكي ستعجل من هذا النصر الحتمي .
ونحن نشعر ـ نحن هنا تعني مئات الملايين من بسطاء المسلمين ـ بأن أمريكا التي لم تكن لديها في الماضي مشكلة في تسديد "الفاتورة " الاقتصادية والسياسية والقانونية والأخلاقية والإعلامية للتغطية علي ظلم وغطرسة إسرائيل ، هي الآن لم تعد قادرة علي ذلك بعد الأزمة المالية وبعد تنامي الوعي العالمي بأن إسرائيل ليست هي الضحية وبعد بروز أقطاب عالمية جديدة لا تتفق إلا علي هدف واحد وهو مشاركة أمريكا في قيادة العالم .
لا أظن بأنه يخفي عليكم دلالة تلك الإشارات العديدة التي أرسلتها الشعوب العربية و الإسلامية من جاكرتا إلي نواكشوط ، كما أنه لن يكون من الحكمة المراهنة علي علاقات " طيبة " مع حفنة من الأمراء والملوك والرؤساء الذين لم تعد لهم أي مصداقية أو شرعية داخل بلدانهم مما ينذر بقرب نهاية دكتاتورياتهم ، فهؤلاء لم تعد تنفعهم شرعية مستوردة من خارج بلدانهم ، فلا تراهنوا عليهم ، وهنا نطلب منكم ـ وهذا طلب ملح ـ أن تتركوا بين هؤلاء القادة وشعوبهم ، لا نطلب منكم التدخل لصالح الشعوب ، كما أننا في المقابل لم نعد نتحمل التدخل لصالح هؤلاء القادة الذين خذلوا شعوبهم كثيرا، يكفي هنا أن نذكر كمثال ما حدث في القمة الأخيرة من أسبوع القمم العربية " المضحكة " ، لن أتحدث عن " غزة " التي خذلوها كثيرا في قمة الرياض وفي قمة شرم الشيخ وفي قمة الكويت وقدموا لها الحد الأدنى في قمة الدوحة بل سأقتصر هنا علي الاقتصاد الذي خُصِصََتْ له قمة الكويت والتي تم الإعداد "الجيد " لها من طرف جامعة عمر موسي ، لقد تحدثوا عن اكتشاف عظيم في قمة الكويت وهو تطبيق تجربة بنجلادش التي تعتمد علي القروض الصغيرة جدا والتي قادها الاقتصادي الكبير محمد يونس في منتصف السبعينات من القرن الماضي !!!
أعذرني، لقد خرجت قليلا عن الموضوع ، فمصائبنا التي يجلبها لنا القادة العرب لا تقل خطورة عن مصائبنا التي تأتينا من بلدكم .
المهم ـ وهذه هي زبدة الرسالة ـ أنه قد أصبح من الملح ومن الضروري لأمريكا أن تراجع علاقاتها مع شعوب أمة المليار وزيادة وهي الشعوب التي ستكون لها الكلمة الفصل في حسم المنافسة القادمة بين الأقطاب الجديدة والقديمة علي قيادة العالم .
وفي ختام هذه الرسالة لا بد أن أعترف ـ وأنا من الذين يقرؤون كثيرا عن بلدكم ـ بأن لأمريكا وجها آخر مضيئا جدا يمكن لها أن تقود به العالم من جديد ، كما أنه لا بد لي من أن أعترف أيضا بأني أحترم كثيرا ذكاءكم وطريقتكم الإبداعية في التفكير وهذا بالضبط هو ما جعلني لا أهتم بتلك الحقيقة التي تتردد كثيرا الآن ، وهي أن الرئيس الجديد لأمريكا لا يمكن له أن يحدث تغييرا جذريا في السياسة الخارجية حتى ولو كان يرغب بشكل جاد في إحداث ذلك التغيير، لأن صناعة القرار في أمريكا تتحكم فيها مؤسسات ولوبيات وقوي ومصالح متشعبة ومعقدة جدا .
تلك حقيقة لا أنكرها ، ولكن هناك حقيقة أخري لا أستطيع أن أنكرها أيضا، وهي أن أمريكا تعيش اليوم ـ وهذه زبدة الزبدة ـ لحظة حرجة من تاريخها وهي تحتاج وبشكل عاجل إلي أن تُحْْقَنَ بــ "جرعة أمل " جديدة تمكنها من أن تحافظ علي مركزها العالمي .
فهل سيبدع المحامي الذكي جدا طريقة ما يتمكن من خلالها من حقن " جرعة الأمل" للبلد الذي اختاره لأن يكون خلفا لأسوأ رئيس عرفته أمريكا؟
هذا سؤال يهم الجواب عليه الكثير من شعوب العالم خاصة منه شعوب العالم العربي والإسلامي.
حفظ الله موريتانيا.
محمد الأمين ولد الفاضل