مسيرة تحرر المرأة: محطات من نصرة قضيتها..!! / تربة بنت عمار

في حلقة ماضية أوردنا تاريخا خاطئا لوفاة المفكر الإصلاحي الطاهر الحداد، وللتصحيح فحياته كانت بين (1899-1935) ولا شك أن هذه الفترة كانت غير ملائمة لتأسيس هذا النوع من الفكر، وكانت الثقافة المهيمنة في ذلك الوقت سدا منيعا لحماية جيوب ظلم المرأة التي أراد لها الحداد أن تتحرر وتتخلص من ترسبات تراث الجاهلية، في حين أراد لها المجتمع أن تظل حبيسة المنزل والمطبخ ....!!!.

وانطلاقا من هذا التوجه ألف الحداد كتابه: " امرأتنا في الشريعة والمجتمع " حيث يقول فيه معاتبا المجتمع الذي أذل المرأة:

"وبدل أﻥ ﻴﺴﺘﻌﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻭﻥ ﻟﺘﻘﻭﻴﻡ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﺤﺘﻰ ﺘﺴﺘﻌﺩ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺒﻤﺎ ﺃﻋﻁﺎﻫﺎ ﺍﻹﺴﻼﻡ ﻤﻥ ﺤﻕ ﻓﺈﻨﻬم ﺭﺠﺤﻭﺍ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﺍﻻﻭﻟﻰ ﺍﻟﻤﻅﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻨﻭﺭ ﺍﻹﺴﻼﻡ" .

ولم يتوقف الحداد عند حد نقد تراث الجاهلية المظلمة التي أخرتها ، والدعوة لتفعيل مكانتها في الإسلام الذي حولها من قهر الجاهلية إلى عدالة الإسلام ، بل تجاوز ذلك إلى استشراف المستقبل الذي يقضي بتجاوز الفترة التي خلقت في المرأة الضعف والهوان ...التي يرى الحداد أنها ليست خلقة فطرية ، وإنما جاءت نتيجة للتربية والتجهيل ....حيث أعتبر أن التعلم والوعي في صفوف النساء يبعدهن عن الدونية ، ويقطع بهـن أشواطا نحو المساواة التي هي أساس العدالة التي جاءت بها الديانات السماوية ، وكان ديننا خاتمها وأمتنا من خيرة أممها ...!!!.

فيقول الحداد في هذا المجال :"

إن ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﺫﻱ ﻗﻁﻌﺕ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺭأﺓ ﺃﺸﻭﺍﻁﺎ ﺒﻌﻴﺩﺓ ﻋﻥ ﻤﺎﻀﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﻤل ﺠﺩ البعيد ﻗﺩ ﺠﻌل ﺍﻟﻁﺭﻴﻕ ﻭﺍﻀﺤﺔ ﺃﻤﺎﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﺴﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻋﻥ ﺍﻟﺭﺠل ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺼﻴل ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺸﻬﺎ. ﻭﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻤﻌﻪ بلاﻨﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﻠﺯﻤﻬﺎ ﻤﻥ ﺸﺅﻭﻥ ﻤﺸﺘﺭﻜﺔ. ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻹﺘﺠﺎﻩ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻬﺎ ﺃﻨصع ﺒﺭﻫﺎﻥ ﻋﻠﻰ أﻥ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻀﻲ ﻟﻴﺱ ﻨﺎﺸﺌﺎ ﻋﻥ ﺠﻭﻫﺭ ﺨﻠﻘﺘﻬﺎ. ﻭإﻨﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺫﻟﻙ ﻓﺼﻼ ﻤﻥ ﻓﺼﻭل ﺤﻴﺎﺘﻬﺎ ﺍﻟﻁﻭﻴﻠﺔ ﻭﻗﻭﺍﻨﻴﻨﻬﺎ. ﻭﻓﻴﻤﺎ أﺭﻯ أﻥ ﺍﻻﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺠﻭﻫﺭﻩ ﻻ ﻴﻤﺎﻨﻊ ﻓﻲ ﺘﻘﺭﻴﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻤﻥ ﻜﺎﻤل ﻭﺠﻭﻫﻬﺎ ﻤﺘﻰ ﺍﻨﺘﻬﺕ أﺴﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻔﻭﻕ ﻭﺘﻭﻓﺭﺕ ﺍﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﻤﻭﺠﺒﺔ للمساواة .." .

رغم النزعة الإحيائية التي تبناها الحداد في منهجه من إحياء لعهد النبوة ، والدعوة إلى ذلك العدل وتلك المساواة ....فإن منهجه لم يرق لفقهاء عصره الذين رموه بسهم الكفر ، وبما أنني هنا لا أدافع عن الحداد ولا ينبغي لي ذلك، بل أتحفظ على بعض أفكاره ، بالقدر الذي أتفهم طبيعة عصره ، ووعورة دربه الذي سلك ...!!

وهكذا ظل القرن التاسع عشر يمدنا بأنصار تحرر المرأة مع تفاوت في منهجهم في ذلك ، وفي مستوياتهم ومدى ارتباطهم بديننا الحنيف ، " ﻭﻫﻡ ﻋﻠﻰ أﺨﺘﻼﻑ ﻤﺭﺍﺘﺒﻬﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﺏ ﻤﻥ ﺍﻟﺤﻕ ﻭﺍﻟﺼﺭﺍﺤﺔ ﻓﻴﻪ ﻻ ﻴﻤﺜﻠﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ ﺍﻟﺘﺎﺌﻪ ﺍﻟﻤﻐﺭﻭﺭ ﺇﻻ أﺼﻭﺍتا ﻀﺎﺌﻌﺔ ﻜﻤﺎ تضيع أصوات ﺍﻟﺘﺎﺌﻬﻴﻥ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﺼﺤﺭﺍﺀ ".

إلى أن برزت مدرسة المنار التي لاشك أنها تيار ديني إصلاحي منبعه القرآن والسنة الصحيحة ، ومقصدها العودة لتلك المرجعية قبل أن تكدرها دلاء البدع وثقافة الأمم ...ومع ذلك عندما قدمت حلولا تتعلق بالمرأة تعرضت هي الأخرى للنقد والتجريح لأن قضية المرأة من التابوهات المسكوت عنها في ذهنية مجتمعنا الإسلامي....!!!.

كان زعيمها : محمد عبده (1849-1905) أحد أهم علماء عصره قيل عنه: "يعد الإمام محمد عبده واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون....".

. خصص محمد عبده جهده العلمي لنقد بعض مظاهر الواقع ، في حثه على جانب التربية والتعليم ، ومن خلال مدرسته الاجتهادية التي جاءت في تفسيره الذي جمعه تلميذه محمد رشيد رضا(1865-1935) في مجلة المنار التي أسسها 1898 ، وقد خصص عبده حيزا كبيرا منه لقضايا المرأة ، في المساواة والكفالة والتعدد والطلاق ، واستقلال المرأة المالي والاقتصادي،....!!!.

وقد انبثقت عن هذه المدرسة رؤية مستنيرة ، خلقت طبقة من المجتمع واعية ببعض الإشكاليات التي عاقت حركية رسالتنا الدينية والحضارية ....!!!.

وكان من أبرزها تلميذه المخلص : رشيد رضا الذي ألف كتابا بعنوان : " نداء للجنس اللطيف : حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي " فكان هذا الكتاب صرخة في عتمة ليل التخلف، وصمت الرجعية واستسلامها ، وصحوة في فجر حرية المرأة التي استعبدت ظلما باسم الإسلام ...!!!.

وكان أيضا من أشهر تلامذة هذه المدرسة الإصلاحية المفكر الاجتماعي : قاسم أمين (1863-1908) الذي كان من الذين تبنوا فكر عبده الإصلاحي ، ومن تلامذته الذين واصلوا جهاد التصحيح ، فتعرض للنقد والتشويه وربما سوء فهم ، وذلك عندما ألف كتابه : " تحرير المرأة " سنة 1899وفي سنة 1901 ألف كتابه الثاني : " المرأة الجديدة " وقد أثار بهذه الكتب موجة من النقد ، رغم ما برر به قاسم أمين ارتباطه بالدين وسعيه لخدمة الأمة ...

يأخذ على قاسم أمين أنه خالف رفاقه في حركة الإصلاح مثل" فريق (رشيد رضا) الذي نحا باتجاه تطويع مفاهيم الحداثة الأوروبية للمرجعية الإسلامية، اتجه هو بطريقة تصاعدية نحو دمج مفاهيم الإسلام في الحداثة الأوروبية ".

ورغم ذلك فإنه " افتتح أول عاصفة من الجدل الثقافي حول المرأة في القرن العشرين، لم يثرها مؤلف آخر، لدرجة جعله بعضهم عنواناً لمرحلة جديدة في ما يتعلق بتحرير المرأة الاجتماعي، وأول صرخة كبرى هزَّت الصورة النمطية التقليدية عن المرأة....".!!!.

يتواصل ......

28. يونيو 2013 - 21:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا