أطفالنا فلذات أكبادنا (3) / عثمان جدو

مواصلة لما سبق في الحلقتين الماضيتين بخصوص الأطفال وما يحيط بهم ,نركز الحديث اليوم على اختفاء ظاهرة صحية وإيجابية ,كانت توجد في هذا المجتمع واختفت فجأة وبشكل تام  ألا وهي ظاهرة الرجل المهاب الذي يحس بالمسؤولية تجاه أبنائه وأبناء جيرانه وحيه  فيكون بذلك مهابا عند الجميع  يأتمرون بأوامره وينزجرون  بزواجره  .

طبعا هذا لا يأتي بمحض الصدف ولا بالتمني وإنما هو وليد لجهد كبير وإحساس بالمسؤولية من لدن الفرد تجاه الآخرين .

ومن أدرك منا ذاك الزمن الجميل , الذي امتد إلى عهد قريب لم يخلو فيه حي من أحياء العاصمة بل الوطن أجمع من شخص إن لم يكونوا أشخاصا مهابين يُكن لهم الجميع الاحترام التام , فيتخفي  المراهق بدخانه إذا كان مدخنا والعابث بالألفاظ الخبيثة بألفاظه لمجرد أن يمر ذاك الشخص أو تشتم له  رائحة لا يتخلف الأطفال عن موعد الدرس خوف زجره أو ضربه لا يُظهر المراهقون الطائشون طيشهم وانحرافهم خوفا من سلطته التي اكتسبها في النفوس حتى الضحك المشروع أحيانا قد يتحفظون من إعلاء أصواتهم به خوفا من ذاك المهاب واحتسابا لما يصدر عنه من العتاب .

فهو بالفعل رقيب على أفراد المجتمع في محيطه ولأنه تحلي بالأخلاق الفاضلة واستشعر المسؤولية  فتراه ينفق على أطفال الحي وعلى جيرانه إذا اقتضى الأمر ذلك ويزورهم إذا كان منهم المريض ,فهو بالفعل حاضر في وجدانهم بطباعه الكريمة وصفاته النبيلة وإسهاماته الغير ممنونة .

ومن هنا جاء احترامهم له وتقديسهم إياه وقد يحظى منهم باحترام لم يحظ به آباءهم ومربيهم في أماكن التربية(المحاظر والمدارس ).

وللأسف الشديد لا يخفى على أحد اليوم تلاشي هذه الظاهرة بل اختفاءها تماما  والسبب طبعا هو انعدام الأسباب التي جعلت الظاهرة قائمة أصلا  إذ فقد الكل إحساسه بالمسؤولية الاجتماعية فعاد النظر من مطلقه إلى الأمام وثبت بين قدميه وكثر السعي وراء اكتساب المال مهما كانت الأوجه وتم الابتعاد عن موروث الأجداد (الموروث الأخلاقي) فأسلاف هذا المجتمع لم يعرفوا بالثراء الفاحش ولم يورثوا ذلك إنما ورثوا العلم والأخلاق ومن تخلى عن هذا الموروث فقد عزف عن تركته .

والأسباب التي أدت إلى غياب الشخصية المهابة متعددة ومختلفة لكنها معروفة ومكشوفة ويمكن إدراكها وتصحيحها .

فالعار كل العار أن تكون رجلا يفترض أن تكون مهابا فإذا بأطفال حيك وأطفال الجيران عموما لا ينزجرون بزجرك ولايتعظون بوعظك ولايكترثون لكلامك ولا لتوجيهاتك وعند مرورك عليهم لا يفسد ذلك جلستهم المخلة بالأخلاق سواء كانت لشرب الدخان أو الحشيش الذي صار خطرا يهدد أطفال المدارس نظامية كانت أم حرة مع تنامي هذه الظاهرة بين الفتيات المدخنات أساسا  وخصوصا عند بوابات المدارس الحرة والمقاهي المجاورة والأزقة المحاذية ومن المعلوم أن عدم اهتمام هؤلاء الأطفال والمراهقين لك أو عدم إفسادك لجلستهم المخلة بالأخلاق هذه مهانة لك قبلهم ولأن الأشياء لا تأتي من تلقاء نفسها .

أخيرا علينا أن نراجع أنفسنا ,أخلاقنا ,اهتماماتنا ونبحث عن ذواتنا ونفرض شخصيتنا الايجابية في المجتمع أو لنرحل فعديم التأثير لايبقى.

 

ـ عثمان جدوـ كاتب وناشط حقوقي ـ

[email protected]

 

1. يوليو 2013 - 10:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا