تتعالى الأصوات شيئا فشيئا منذ مدة حول ما يزعم أنه انتخابات يعتزم النظام الانقلابي تنظيمها خلال الفترة القريبة المقبلة، و بالتزامن مع ذلك بدأت الآلة الدعائية عملها المحموم المتسارع متسلحة بالمال العام وبالمقولة المعروفة محليا والخاطئة تماما – الكفْ ما يْعاند اللشفهْ – ،
هذه المقولة التي تعمل على تثبيط همم المواطنين ومنعهم من الوقوف في وجه بارونات المال العام، تلكم هي البداية الجهنمية التي يُرسم بها مستقبل الشعب الموريتاني الذي يراد له أن يبقى تحت نير نوع من الاستغلال العصري المتمثل في سلطة الجيش على الدولة وتسييرها على هواه.
الإنتخابات في العالم المدني المتقدم تعتبر وسيلة لخدمة الشعب، لا لخداعه، أما الإنتخابات في موريتانيا فهي وسيلة للتملق واللحلحة للإنقلابي الجالس على الكرسي – أي انقلابي – ممن مروا عبر تاريخ موريتانيا السياسي القريب، هؤلاء الأوغاد الذين فهموا الديمقراطية على مقاسهم القاصر- بطبيعة الحال- على أنها وسيلة للمِ شمل القبائل حوله والانفاق عليها من المال العام.
حضرت في إحدى المرات لعملية انتخابية من المسلسل الممل الذي بدأ سنة 1986، وكانت الوسائل الدعائية للحزب المحكوم حينها – الحزب الجمهوري- قد فعلت فعلها ، والغريب أن شخصا من أباطرة المال العام - أعرفه حاليا - وهو من أعظم اللحلاحة راهنا ضمن حزب الاتحاد من اجل نهب الجمهورية، كانت لديه حقيبة مليئة بالأموال ويجلس أمام المدرسة حيث تجري عملية بيع المواطنين، ويعطي مبلغ 20000 ألف أوقية لكل من يصوت لصالح حزبه، وتكررت العملية مرات بعد ذلك حتى في الفترة الأخيرة وإن كانت بطريقة مخفيقة قليلا وأكثر ذكاء، إذا أبعد هذا كله نصفق بأيدينا وأرجلنا على بيع ضمائرنا.
نعم هي عملية بيع على المكشوف، ولكن الضحية فيها هو المواطن الذي يبيع مستقبله ومستقبل أبناءه بدراهم ستختفى في غمرة الغلاء المستمر للاسعار يوميا، دعوني الآن أطرح السؤال التالي: هل هذه انتخابات تستحق أن نشارك فيها ؟ بالتأكيد لا ، اللهم إلا إذا كنا مستعدين لمزيد من التقهقر نحو القاع السحيق حيث لا مخرج، و قد يلاحظ بعضكم إن لم أقل كلكم أن منتخبيكم المزورين لا يسكنون بينكم ولا يصغون لآلامكم ، على العكس، بل يعتبرونك عالة ، أنتم الذين أوصلتموهم إلى ذلك المستوى التمثيلي، هل بعد هذا المستوى من الاحتقار تتدافعون الى أماكن ذبحكم، إلى حيث يتم الاتجار بكم، حيث تتم خيانتكم علنا.
المشاركة في مثل هكذا انتخابات تعتبر انتحار معلن وإلا فموت بطيء سيأتي على الكل، قد يقول قائل ولكنها الوسيلة الوحيدة للتداول على الحكم وأشدد على التداول لأنه هو ما يحدث بدل التبادل ، والجواب أن الإنتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، و أنا لست ضد الانتخابات من حيث المبدأ ولكنني ضد ما يقام به هنا في موريتانيا لأنه لا يعدو كونه مسرحية هزلية لشرعنة نظام انقلابي يريد البقاء أطول فترة ممكنة عبر مافيا تستحوذ على كل شيء، إذا ما يجري هنا ليس انتخابات تستحق لأنها أولا تحت حكم نظام عسكري انقلابي ، ثانيا بلا نتيجة عليكم أنتم يا معشر المخدوعين.
الإنتخابات تهدف الى إيصال ممثلين عادلين وهدفهم خدمة المواطنين ، على العكس من ذلك ، انظروا إلى ما تفعله الشركة الصينية التي صادق على اتفاقيتها أشباه البرلمانيين الذين انتخبتموهم أنتم، أضف إلى ذلك الفساد المستشري الذي ينخر جسم الدولة ، ألم يقل الجنرال عزيز أنه سيحارب الفساد، التفت يمينا تجد أزمة أموال الجيش ( ولد الخوماني وجماعته) التفت شمالا تجد أزمة وزارة الثقافة (بطلها أحد ضباط الجيش وبطبيعة الحال سيسي منت بيده) ، انظر الى أحياء المعاناة تجد أزمة "لادي" وأنتم الضحية ، ألى يكفيكم هذا من الفوضي حتى تكفوا عليكم أصواتكم ؟
كل هذه الأمور لن تتحقق إلا بثورة شعبية عارمة رفضا للواقع الذي تفرضه علينا الطغمة العسكرية الحاكمة بأحذيتها الشخنة التي تدوس كرامتنا يوميا بلا مبالاة، وانتم من تشرعون لها هذا التصرف، وقد آن الأوان لكي نرفض هذه المهزلة حتى تتحقق ظروف مواتية تحقق لنا آمالنا ولن يكون ذلك أيضا إلا بمقاطعة تامة لهذه المسرحية.