مصر: هل فشل الإخوان أم فشل مرسي؟ / محمد سالم الشيخ

altفي سنة 1982 زار جورج بوش الجزائر عندما كان مديرا للمخابرات المركزية الأمريكية , وألقى محاضرة في كلية الشرطة في منطقة الأبيار جاء فيها أنّ الخطر الذي يهدّد الجزائر يكمن في التيار الأصولي وليبيا ، مت سيشي لاحقا بمراقبة الولايات المتحدة لهذا التيار و حذرها منه

 و تحذيرها لحلفائها في المنطقة . بعد هذه الزيارة مرت الكثير من الأحداث بالجزائر ساهمت في الأزمة التي ستعرفها ن بداية من ثورة أكتوبر أو خريف الغضب 1988 و التي خرج فيها الجيش للشارع لإجهاض هذه الثورة و رابطت دباباته في شوارع العاصمة الجزائر ، و عندما بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها و بعد أن تنافرت مطالب الإسلاميين التي عبروا عنها في تجمعهم الضخم في الجامعة المركزية في الجزائر 12 نوفمبر 1982 و التي صاغها مشايخهم آنذاك و التي تمحورت حول إطلاق الحريات و إخراج شبابهم من السجون و إعادة الثقة و المكانة للثقافة العربية و للأخلاق و الدين ، ما سيتعارض مع المطالب البربرية الأمازيغية آنذاك و التي كانت ترعاها فرنسا و الجهات الفرانكفونية ففي الجزائر ، لمقابلة القطب الإسلامي العروبي .

و لما وجد الشاذلي بن جديد نفسه في وحل الاوليغارشيا العسكرية المالية السياسية ، و أحس بثقل و تأثير صقور جبهة الإنقاذ ، عمد إلى الدعوة للتصويت على دستور جديد ، ففي شباط –فبراير – 1989 صوتّ الشعب الجزائري لصالح الدستور الجزائري والذي أقرّ مبدأ التعددية السياسية والإعلامية . وفور المصادقة على الدستور الجديد والإقرار بمبدأ التعددية السياسية والحزبية , بدأ رموز المعارضة يعودون من الخارج كأحمد بن بلة وحسين أية أحمد , أما محمد بوضياف المقيم منذ ثلاثين سنة في منفاه الاختياري في مدينة القنيطرة في المغرب فقد شككّ في مصداقية الديمقراطية الشاذليّة ورفض العودة إلى الجزائر .

برز الإسلاميون في هذه الفترة كطرف سياسي استطاع تكوين شعبية جارفة بين صفوف العمال البسيطين و العاطلين عن العمل و ربات المنازل ، لأنهم رفعوا شعارات قريبة من الشعب و كانوا هم أيضا قريبين من الشعب و استغلوا فرص المنابر في المساجد التي لم تكن مراقبة ، وفي أول انتخابات بلدية جرت في 12 حزيران –1990 فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ , وكان ذلك إيذانا بميلاد هذه الجبهة التي ستكون الرقم الصعب في المعادلة الجزائرية ، وبعد الانتخابات البلدية طالبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بإجراء انتخابات تشريعية وبررت ذلك بأنّه لا يمكن الحديث عن التعددية السياسية في ظل وجود برلمان أحادي حكر على حزب جبهة التحرير الوطني .

وقد وعد الشاذلي بن جديد بإيصال الإصلاحات السياسية إلى ذروتها , فقررّ أن تجرى انتخابات تشريعية في في 27 حزيران 1991 , إلا أنّ الانتخابات لم تجر في موعدها , بل عادت الجزائر أثناءها إلى درجة الصفر أو ما قبله , حيث عادت الدبابات من جديد إلى الشوارع الجزائرية و فرضت حالة الحصار العسكري , و أقيلت حكومة مولود حمروش , و أعتقل قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، ومرّت العاصفة بسلام , إذ عاد الشاذلي بن جديد وحددّ موعدا أخر للانتخابات التشريعية في 26 كانون الأول –ديسمبر – 1991 , واستعدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبقية الأحزاب لخوض غمار المعركة الانتخابيّة .

وانتصرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ مجددا و حصلت على 188 مقعدا في البرلمان وحلّ في المرتبة الثانية حزب جبهة التحرير الوطني وفي المرتبة الثالثة جبهة القوى الاشتراكية .

وقد استعدّت المؤسسة العسكرية لمصادرة هذه النتائج وحركّت فيلقها السياسي قبل العسكري , وتحركت جبهات اليسار والبربر والفرانكفونيين وطالبت بإلغاء الانتخابات كما طالبوا الجيش الجزائري بالتدخل , وفي الأثناء اعتقد الشارع الجزائري أن الانتخابات ستتواصل وأن الدورة الثانية ستجرى في موعدها في 16 كانون الثاني 1992 , وكانت المفاجأة الكبرى عندما قدمّ الرئيس الجزائري استقالته تاركا الجزائر تغرق في أتون فتنة يشيب لها قلب الحليم وعقله فقد تحولت الجزائر من دولة قوية تحاول الدخول إلى بوابات التصنيع إلى فوضى فغابت الدولة و ظهرت الفساد و الجريمة و الإرهاب و الإرهاب المضاد ما كلف الجزائر حوالي 200 ألف قتيل .

أبرزنا الحالة الجزائرية و ذلك لتشابه ما وقع آنذاك بما يمكن أن يقع في مصر مع بعض الفروق ن فالإخوان في مصر مروا بفترات متعاقبة و مختلفة في علاقتهم بالدولة ، منذ انقلاب 23 يوليو 1952 الذي قام به الضباط الأحرار و الذي دعمه الإخوان ، قبل أن يختلفوا مع الضباط و يعارضوهم ، بل و ينظموا عمليات عسكرية لزعزعة الأمن و لإظهار فشل دولة الضباط الأحرار و حكم جمال عبد الناصر ، ما أدى بهم إلى تصفيات في قياداتهم لعل من أبرزها تصفية السيد قطب أو إعدامه و إعدام العشرات من التنظيم و التنكيل بهم و سجنهم، ما أضعف التنظيم و جعله يميل إلى العمل السري و تحصين خلاياه و تكوين جناح عسكري له للقيام بعمليات مضادة للنظام . و قد ظلت علاقته بالنظام علاقة صدامية و حتى بعد فترة وجيزة من حكم السادات، و لكن اتفاقيات كامب ديفيد ستصنع شرخا بين النظام و الإخوان لم ينتهي إلا بحادث المنصة الذي سقط الرئيس السادات ضحيته .

و مع قدوم مبارك اتسمت العلاقة بالكثير من الصدام فدخل في صراع حميم مع الإخوان دام مدة حكمه ، و قد تفرخت عن هذا الصراع الحوادث التي شهدتها مصر في الثمانينات و التسعينات و ظهور تنظيمات جهادية استطاعت تهديد النظام و الأمن ، و تهديد قطاع السياحة بعمليات اختطاف و تصفية و قتل ، في شتى أنحاء مصر ، و لجأ النظام إلى الحل الأمني و بالغ فيه ، ما جعل جماعة الإخوان المسلمين تتضرر كثيرا و خصوصا عندما حاول تجفيف منابعها الاقتصادية و التجارية ، و مع ذلك ظلت الجماعة شوكة في حلق النظام ظلت منغرسة حتى أسقطته ، و غن اختلفت استراتيجيات الإخوان المسلمين و تكتيكاتهم و تنظيماتهم في ظل الهجمة الشرسة من النظام إلا أنهم حافظوا على علاقة مع الشعب و قدموا له الكثير في ظروفه الصعبة التي نتجت عن الفساد و المحسوبية و بيع وطن بكامله لشلة من المحظيين .

شارك الإخوان في الثورة بعد أن ظهرت جدية الشباب و تضحيتهم و عزمهم على ترحيل النظام ، فدخلوا بقضهم و قضيضهم بتنظيمهم و خبرتهم في تسيير الأمور ، و بكوادرهم و تجارهم فصاروا ظهرا للثورة تستند عليه ، و إن تسرعوا في لحظات من الثورة و ركنوا إلى العسكر في لحظات أخرى ، إلا أنهم ظلوا وقودا للثورة و دعما لها ، فنجحوا بنجاحها ، و سارعوا إلى اغتنام الفرصة المتاحة بوصفهم أكثر الأطراف تنظيما و مقدرات مادية و بشرية ، دخلوا السياسية بتاريخهم النضالي و ببياض أكفهم و بشعارهم " الإسلام هو الحل" و بعد مضايقتهم من طرف فلول النظام و بعد أن دعمتهم القوى الثورية و التقدمية في لفتة كريمة منها ، وصل الإخوان المسلمون أخيرا إلى الحكم في مصر وبمرشح ثانوي لم يكن هو المنتظر من جماهير الإخوان بعد رفض ترشح خيرت الشاطر و الذي كانت تعول عليه جماهير الحركة .

لم يفهم محمد مرسي الوضعية التي وصل فيها إلى الحكم و التركة الثقيلة التي خلفها نظام مبارك من بنية مفككة للدولة و لمؤسساتها التي كانت تمشي بطريقة خاصة من الزبونية و الرشوة و كان الضامن لكل شخص هو انتماؤه للحزب الحاكم . هذا إضافة إلى سيفين مسلطان على رقبته و هما بداية العسكر و قد تخلص منه و السيف الآخر هو نفوذ المرشد الذي كان عليه أن يتخلص منه أو أن يتميز عنه و لو شكليا ، كما استطاعت الحكومة في تونس التميز عن الغنوشي بل وفي لحظة من اللحظات ضحت بحكومتها لصالح حكومة جديدة فرضتها الظروف .

إضافة إلى هؤلاء السلط التي كانت تضايق مرسي في قراراته ، كان هناك شركاؤه في الثورة و في النجاح و من وقفوا معه ضد الفلول دون قيد أو شرط ، لم يشركهم في شيء ، بل و ضايقهم بقراراته ، ظانا أنه سيخلق إجماعا جديدا دونهم في الشارع و من الأحزاب السياسية الصغيرة ، فكانت تلك أولى غلطات مرسي الكبيرة ، أضاف إليها صراعه مع القضاء ، هذا إضافة إلى الملفات الخارجية التي تميزت بعلاقات عدوانية مع الإمارات و بارده مع السعودية ما شكل له عبئا ثقيلا خصوصا في رحلات مباحثاته مع البنك الدولي لطلب سلفة جديدة ، و لتيسير خدمة الدين ، ما لم يوفق فيه مرسي حتى الآن .

لم يكن مرسي رجل المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر و لا رجل الحركة القوية التي تستعد للانتقال من المعارضة للحكم ، و ما يتطلبه ذلك من حنكة سياسية و مرونة إيديولوجية و تنظيمية . فلم يستطع أن يتفادى انقطاع شعرة معاوية بينه و بين القوى الشعبية التقدمية ، و قبل أن ينضم لها فلول النظام باعتبارهم أصبح لهم عدو واحد هو مرسي و حركة الإخوان المسلمين ، و دخل الجيش إلى الساحة و بعد عمليات اعتداء و عمليات خطف لم يتم التعاطي معها بحزم ما شكل خيبات داخل صفوف المجندين، إضافة إلى محاولة إقصائه من الساحة السياسية .

أداء مرسي الذي لم يوفق فيه جمع الكثير من الأعداء و كتلهم في ما عرف أخيرا بالتمرد الذي جمع الملايين من جماهيره في ساحات مختلف المدن المصرية مطالبا مرسي بالرحيل لأنه أجهض الثورة و لم يحقق ما خرجت الجماهير من أجله ، بل و أدار لها ظهره و لم يستطع كذلك أن يحق شعار جماعته في الحل الذي يقدمه الإسلام للمشاكل العصية ، و لكن أداء هذا التمر و الذي يعتبر نفسه قوى ديمقراطية تحررية ، ارتكب غلطة كبيرة عندما اختار اللجوء للجيش و مطالبته بتقديم الحل متناسين أن الجيوش لا تعرف من الحلول سوى الانقلاب على الشرعية ، و قد ضحى هؤلاء بثورتهم الأولى و بشهدائها و بكل التضحيات ، و اختاروا الطريق القصير ، بدل الإصرار على مطالبهم و بطريقة ديمقراطية و البقاء في الشارع حتى يحكم الشارع بشرعيته التي صارت ذات قيمة بين الشرعيات السياسية الأخرى .

نعم لقد فشل الإخوان في اختيارهم لمرسي ، و الذي فشل بدوره في تسيير المرحلة و الوصول بمصر إلى بر الأمان ، و لكن المعارضة الديمقراطية فشلت هي الأخرى في الحفاظ على ديمقراطيتها و وطنيتها عندما استجارت بالجيش ليخلصها من الأفق المسدود الذي أوصلها له الرئيس مرسي . و ما يزيد الطين بلة هو الدور المحوري لمصر في العالم العربي و مدى تأثيره عليه ، و لذلك تكون الأزمة في مصر أخطر لأنها تنسحب على دول أخرى تولى فيها الإخوان السلطة و إن كانت إدارتهم لأزماتهم لم تتسم بنفس التوجه و لا بنفس مستوى التعاطي مع مطالب الشعوب .

إلا أن كل هذا لا يعطي للمعارضة الحق في سلب الإخوان من سلطتهم التي أعطتها لهم الشعوب بواسطة صناديق الاقتراع و في انتخابات نزيهة بشهادة الجميع . و لعلنا ندرك جميعا أن الإسلاميين – بما قاموا به حتى الآن _ قرروا إعطاء فرصة للديمقراطية وأنه إذا رفض المعسكر الآخر في مصر الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية وانقلب عليها فإن ذلك سيؤدي إلى موجة تطرف في العالم العربي ولعشرات السنين القادمة. و في أحسن الحالات سيدخل ذلك مصر في المتاهة التي دخلت فيها الجزائر عندما انقلب الجيش على نتائج الانتخابات ، و كما ينوي فعله في مصر .. و كما يرى د/ علي اومليل " فعيوب الديمقراطية لا تصحح بغير الديمقراطية ".

4. يوليو 2013 - 15:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا