ليس الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين هم من سقط في مصر هذه الأيام أو عزل منها كما تتداول وسائل إعلامية يغلب على بعضها الكذب والتجديف بل الحقيقة هي عكس ذلك تماما فالذي يسقط في مصر
الآن هو التيارات والخيارات التي أوقعها حقدها وجشعها وقصر نظرها في القفز في الاتجاه الخاطئ من التاريخ.
الذي سقط في مصر وانحدر وانكشف هو التيار العلماني بمدارسه اليسارية والليبرالية والقومية والسلفية السلطانية والجيش المصري ودول إقليمية فقد رمي هؤلاء كل بيضهم في سلة واحدة حسبوها سلة استعادة الحكم وتصفية الخصم فإذا بها تتحول إلى سلة مهملات وتتركهم جميعا يتلاومون بينهم وستجعلهم خلال ساعات يتقافزن من سفينتهم المليئة بالثقوب الجانحة إلى الغرق الحتمي.
أما الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين ومن في فلكهم من القوى الداعمة للشرعية والديمقراطية فهم من يرتفع ويرتقي وتتعزز مكانته في مصر وفي العالم، وقد أسدى لهم خصومهم من حيث لايحتسبون أكبر خدمة ممكنة خلال الأيام الماضية حين كشفوا القناع عن حكاية " تمرد" وأزمة السولار، والجنيه وأعلنوا بيانهم الانقلابي المفضوح لتتوالى عليهم التهانئ من دول إقليمية طاغية مستبدة ومن الكيان الصهيوني الغاصب.
ما يجري في مصر الآن أحداث تاريخية فارقة في تاريخ الأمة يكتب فيها الإخوان المسلمون فصلا جديدا من سيرتهم العطرة بالأمجاد ، يضيفون لطرد المحتل البريطاني من الشرق، ودحر المحتل الصهيوني في فلسطين، وإنهاء حكم الاستبداد في مصر وتونس وليبيا وقريبا في سوريا، والعودة بالأمة إلى دينها وعزها ومجدها، يضيفون لهذا السفر العظيم نصا جديدا كتب المرشد الإخوان يوم أمس عنوانه الرئيس في رابعة العدوية عندما قال" لن يحكم مصر حاكم عسكري بعد اليوم... ولن تخرج الملايين من الميادين إلى أن يعود الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي."
لقد كسب التيار الإسلامي في مصر وفي أغلب دول العالم الإسلامي ثقة الشعوب واستطاع بمنازلة فكرية وثقافية واجتماعية رائعة أن يهزم خيارات وتيارات العلمنة والتغريب والميوعة، ولم يبق له لكي يأخذ موقعه الطبيعي في قيادة الأمة وريادتها إلا أن يكسر عقبة كؤدا هي عقبة جيوش أسست على الاستبداد والقهر والفساد والجبن والغباء من أول يوم، وهاهي مصر التي كانت دائما في قيادة الأمة والفكرة والحركة الإسلامية تقود المنازلة الحاسمة مع العسكر وهي منازلة محسومة، و مهما كان الثمن باهظا لكن نتيجته ستكون تحرير الأمة أو انجاز استقلالها الثاني ، وإيجاد عملية سياسية نظيفة يتنافس فيها الإسلامي والعلماني في أجواء حرة لامكان فيها للأحذية العسكرية الخشنة.
ما يجري في مصر الآن هو انكشاف جديد ومتجدد للقوى العلمانية التي ترفع شعارات الحرية والتعددية والديمقراطية في حين أنها – في تيارها الغالب – هي النواة الصلبة للاستبداد والإقصاء كانت هكذا خلال عقود في ظل الأحكام الانقلابية، وظن البعض من محسني الظن أن الثورات التي جرت يمكن أن تغيرهم وتطهرهم لكن تبين خلال أحداث مصر الجارية كم هو مخطئ من ظن يوما أن لهؤلاء إيمانا بالديمقراطية أو الحداثة أو التعددية.
... لقد ظهروا هناك في مصر وفي بلدان عدة من بينها موريتانيا مهللين شعرا ونثرا للانقلاب العسكري في مصر، محاولين تصويره على أنه ثورة متجاهلين كل الوقائع التي دلت وتدل على أن كل التوتر الذي عرفته مصر خلال الأشهر الأخيرة كان جزء من حالة التسخين التي يحتاجها عادة كل انقلابي للتغطية على سطوه على الإرادة الشعبية، وهي حرفة إن انطلت على البعض في دول لم تعرف الانقلابات لكنها مكشوفة واضحة بالنسبة لنا في موريتانيا من كثرة ما تفرجنا عليها وعلى إعادتها المقرفة خلال الثلاثين سنة الماضية.
... كان ولد ابريد الليل مصر يقوم بنفس الدور الذي قام به في موريتانيا فظهر العجوز الانقلابي الهرم محمد حسنين هيكل متبجحا أنه كان مع السيسي وقال للسيسي، وتوقع لللسيسي وأن النقطة كذا سقطت من البيان رقم واحد ليؤكد بذلك ما تداولته مواقع مصرية أن العجوز الانقلابي هو من كتب البيان " رقم واحد"..
طبعا كان ولد ابريد الليل مصر قد كتب قبل أشهر" خريطة طريق التولج في العار" راسما للكتيبة الشبابية المصرية " تمرد" الخطوات المطلوبة تماما كما نظر هيكل موريتانيا قبل سنوات لسيسي موريتانيا لطريقة التحضير للانقلاب والاستقواء بموريتانيا الأعماق.
ما لايعرفه ولد ابريد الليل وهيكل ومن يسير علي نهجهم من "مرشدي " الإنقلابات القدماء والمخضرمين والمحدثين أن ما يعتبرونه خبرة متراكمة وعقلا ثاقبا أصبح في الواقع بضاعة منتهية الصلاحية فما كانت الأمة تحتاج لعقود لتطلع على خفاياه بات اليوم ينكشف خلال ساعات ، لقد فضحكم ارتياح الإمارات، وشماتة إيران، وأفراح الكيان الصهيوني... لقد لفظتكم الأمة والتاريخ ولن ينفعكم تثبيت عسكري ومكياج عسكري تقوم به حفنة جنرالات وألوية خونة هنا في موريتانيا أو هناك في مصر... لقد أكلت ثورة الشعوب منسأة ملككم وفكركم الانقلابي ولكنكم لاتعلمون؟