لعل من أطرف ما قرأت عن الانقلاب العسكري في مصر هو ما كتبه أحد المصريين الظرفاء، والذي أكد فيما كتب بأن ما يجري الآن في مصر ليس انقلابا ضد الرئيس مرسي، وإنما هو فقط مجرد لقطة من كاميرا خفية صورها الفريق الأول السيسي قبل حلول شهر رمضان الكريم، وذلك لكي يعرضها خلال هذا الشهر الكريم، والذي يكثر فيه ـ عادة ـ عرض الكاميرات الخفية.
وبهذا المنطق فليست هناك إطلاقا أي مشكلة، فالرئيس مرسي سيعود إلى الرئاسة، عندما يعلن الفريق السيسي في وقت لاحق بأن كل ما جرى في مصر من أحداث كان مجرد لقطات من الكاميرا الخفية، وسيعود أيضا الرئيس المؤقت إلى أهله، أما ما سقط من القتلى فكان بسبب أن البعض صدق ما جاء في الكاميرا الخفية، وتفاعل معه على أساس أنه حقيقة، فكان ما كان.
إن ما حدث في مصر كان حماقة يصعب تصديقها، وربما يكون ذلك هو الذي جعل الأخ المصري يعتبره مجرد لقطة من كاميرا خفية، ولكن الكارثة أنه لم يكن مجرد لقطة من كاميرا خفية، وإنما كان فاجعة حقيقية حلت بمصر، بسبب حماقة وغباء عسكري بائس.
فبأي منطق ينحاز جيش مصر، والذي يقال لنا صباحا ومساءً بأنه جيش وطني عظيم لكتلة سياسية دون أخرى؟ ألا يمكن أن يتسبب ذلك الانحياز لانشقاق في الجيش نفسه؟ أوَ لا يمكن أن يؤدي هذا الانحياز إلى حدوث حرب أهلية في مصر، لا قدر الله؟
وبالمناسبة ليس في البلاد العربية، كل البلاد العربية، أي جيش عظيم. فكل الجيوش العربية هي جيوش بائسة لم تهزم يوما أي عدو، ولم تتوقف في أي لحظة عن تعذيب المواطنين الأبرياء، ولم تتوقف كذلك عن التدخل بشكل مباشر في الحكم، هذا إن لم يكن أحد جنرالاتها هو الرئيس الفعلي.
إن ما قام به الفريق السيسي كان حماقة كبيرة، لا يتجرأ عليها إلا عسكري بائس لا يفهم أي منطق.
فبأي منطق ينحاز الجيش المصري لفصيل سياسي على حساب آخر؟ فإذا كان الفصيل السياسي الذي انحاز له الجيش يضم الملايين من المصريين، فإن الفصيل الآخر يضم أيضا الملايين من المصريين. وإذا كان في صف الفصيل الذي انحاز له الجيش آلاف الثوار، فإن الآلاف من الثوار أيضا في صف الفصيل الثاني، والذي يكفيه شرفا بأنه يمتاز عن خصمه بأن الشرعية والدستور والقانون في صفه، وبأن كل بقايا نظام مبارك في صف خصمه.
رب ضارة نافعة
ما فات السيسي هو أنه قد منح للإخوان فرصة كبيرة عندما أزاح الرئيس مرسي بهذه الطريقة المتعجرفة، فالرئيس مرسي كان قبل الانقلاب العسكري مجرد رئيس بأخطاء كثيرة، أما بعد الانقلاب فقد أصبح رمزا للشرعية وللنضال وللديمقراطية.
وما فات السيسي أيضا هو أن الإخوان وإن لم تكن لديهم خبرة كبيرة في إدارة شؤون البلاد، إلا أن لديهم ـ في المقابل ـ خبرة كبيرة، وكبيرة جدا، في معارضة الأنظمة العسكرية، وفي مقارعتها.
لم يكن لدى الإخوان في مصر ما ينجزوه خلال مأموريتهم، وذلك لنقص في الخبرة، ولأن الكل كان يقف ضدهم ( أجهزة الدولة، الإعلام، النخب، الدول الشقيقة وغير الشفيقة لمصر)، هذا فضلا عن أن إدارة مصر بعد الثورة لم تكن بالمهمة السهلة. كانوا في ورطة حقيقية، فجاء انقلاب السيسي ليخرجهم من الورطة، فإما أن يعودوا إلى السلطة بخبرة جديدة اكتسبوها من المحنة التي مروا بها. وإما أن يعودوا إلى ساحات النضال من جديد، وذلك ليدافعوا عن قضية عادلة ستكسبهم المزيد من المتعاطفين، هذا إن لم تدخل مصر ـ لا قدر الله ـ في حرب أهلية، كان السيسي قد وضع لها خارطة طريق بانقلابه البائس. .
إن للإخوان خبرة في النضال اكتسبوها خلال ثمانية عقود، ويكفي أن نشاهد الحشود البشرية الهائلة التي جمعوها في يومين لنعرف مدى قدرتهم على الحشد.ويبقى أن نُذكر هنا أيضا بطول نفسهم في النضال، عكس الفصيل الآخر، والذي لن يكون بمقدوره أن يستمر في الحشد، إذا ما طالت فترة الصراع.
سيظهر الإخوان وهم المتهمون من طرف البعض بمعاداة الديمقراطية، سيظهرون للعالم وهم يرفعون راية الديمقراطية والشرعية. أما خصومهم والذين طالما تغنوا بالديمقراطية فسيعريهم الانقلاب، وسيكشف حقيقتهم البائسة، تلك الحقيقة التي تقول بأن الديمقراطية لا تعني لهم شيئا إن لم توصلهم هم إلى السلطة.
حفظ الله موريتانيا..
حفظ الله مصر..