عاشت موريتانيا ومصر، خلال العقود الأخيرة، في ظل حكم العسكر بالنياشين بداية وبالقناع الديمقراطي أخيرا، لكن الريادة في هذه الحالة ظلت مصرية بامتياز إلى أن استقرت الأمور في البلدين لنظامين عسكريين "ديمقراطيين"، قاد نموذجه المصري المشير محمد حسني مبارك، وتزعم نسخته الموريتانية العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطائع.
وفي سنة 2005 انتزعت موريتانيا (بلاد السيْبة) ريادة المشهد الجديد من مصر (أم الدنيا)، فتمت الإطاحة بنظام (العقيد) ولد الطائع، وبعد ست سنوات أطيح بنظام (المشير) حسني مبارك، مع الفوارق الكبيرة في أساليب الإطاحة بالنظامين.
ودخل البلدان في مرحلتين انتقاليتين تم خلالهما تعزيز المكاسب الديمقراطية وتأسيس جمهوريتين تعود السيادة فيهما للشعب عبر صناديق الاقتراع، وقاد المرحلة الانتقالية الموريتانية مجلس عسكري برئاسة العقيد اعلي ولد محمد فال، فيما تولى إدارة المرحلة الانتقالية المصرية مجلس عسكري بزعامة المشير طنطاوي، وفي النهاية سلم العسكريان مقاليد السلطة لأول رئيسين مدنيين منتخبين، مع فارق دعم العسكر لسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في موريتانيا، ووضع عسكر مصر العراقيل أمام نجاح محمد مرسي.
وفي أولى قراراته قام الرئيس الموريتاني المنتخب بترقية قائد الحرس الرئاسي العقيد محمد ولد عبد العزيز إلى رتبة جنرال وأسند إليه مهمة قيادة الأركان الخاصة المكلفة بأمن الرئاسة، في حين كانت أولى قرارات الرئيس المصري المنتخب تعيين الفريق عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع وقائدا لأركان الجيش.
وبعد أكثر من سنة واحدة بقليل قام الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في موريتانيا، وكذلك بعد سنة واحدة تزيد قليلا انقلب الفريق عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب في مصر.
وعلى الفور قام أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية، وهو حزب تكتل القوى الديمقراطية (التكتل)، بمؤازرة الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، وهو ما فعله أكبر أحزاب المعارضة المصرية، وهو حزب النور السلفي، وفي حين انسحب حزب التكتل من قائمة مؤيدي الانقلاب في موريتانيا، قرر حزب النور سحب تأييده للانقلاب في مصر، مع فارق المدة الزمنية التي تطلبها قرارا الحزبين.
وفي موريتانيا أدت الضغوط المتزايدة على معارضي الانقلاب لدخولهم في مفاوضات مع الانقلابيين، وذلك في دولة السنغال المجاورة، ليتم ما عرف لاحقا ب"اتفاق دكار" الذي فتح الباب أمام انتخابات رئاسية وضعت حدا للأزمة التي سببها الانقلاب على الشرعية، ولو إلى حين، في حين لا يزال مؤيدو الرئيس المصري المعزول متمسكين بمطلب رجوعه للسلطة.
فهل سيكون هناك "اتفاق دكار" مصري لإنهاء الأزمة القائمة؟!.. أم أن وفاء مؤيدي مرسي سيدفع ببعض قادة الجيش المصري إلى التخلص من قائد الانقلاب وحكومته المفروضة بقوة السلاح، وفرض حل ثالث قد يكون منطلقا لجمع الأطراف السياسية المتنافرة على طاولة حوار تخرج مصر من عنق الزجاجة؟.