منذ أن أعلنت الحكومة الموريتانية قرارها الشجاع القاضي بانشاء وكالة التضامن الوطنية لمكافحة آثار الرق والدمج ومحاربة الفقر ، استبشر الموريتانيون بعد طول انتظار وترقب بأفق جديد لحل مُشكل العبودية الذي ظل لفترة طويلة يُؤرق بال الحكومات المتعاقبة
على هذا البلد ويغض مضجع سياساتها التنموية نظرا لما لهذا المُشكل من تبعات وآثار اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية من قبيل: التمادي في سياسات الإقصاء والتهميش والتجهيل المُمنهج في حق شريحة عريضة من المجتمع الموريتاني ألا وهي “شعب لحراطين العظيم” الذي يستحق وبدون مُكابرة لفتتة كريمة بتقدير واحترام مُمَيَزين. فقد أصدرت بهذا الصدد العديد من النصوص القانونية التي ساهمت في تشخيص ذلك الواقع المُؤلم في بلاد المنارة والرباط، وكان آخرها القانون رقم: 048/2007 المُجرم للممارسات الاستعبادية، وبعد ذلك إدراج مسألة الرق وتحريمها نهائيا في صُلب الوثقية الدستورية وفقا للتعديل الدستوري الأخير وطبقا للقانون رقم: 015/2012. إلا أن ذلك كله بقي حبراً على ورق من دون أن تجد تلك النصوص طريقها إلى التطبيق وإتباعها بحملات تعبئة وتحسيس حول خطورة الظاهرة آثارها على المجتمع. ولعل قرار إنشاء وكالة “التضامن” المذكورة أذكى في الكثيرين ممن يحلمون بغد أفضل بصيصاَ من الأمل فاستبشرو به طريقا للانعتاق والتحرر من قيد الظلم والإقصاء و الغبن لفترة طويلة من الزمن بالرغم من امتعاض البعض وتحفظهم على تعيين من لا يرونه من “أهل مكة[1]” على رأس الوكالة، أو في حالة أخرى يرون أن أمر إنصافهم لا يُـوكَلُ إلى من قد يكون في نظرهم ليس مناسبا للمهمة. فبعد أن مضت أربعة أشهر على إنشاء وكالة التضامن ورُصد لها من الأموال ما يبلغ عشرة مليارات أوقية لا جديد يُذكر غير الزيارات الكرنفالية والرحالات السياحية للمدير العام للوكالة في مختلف ولايات وعواصم البلد، ولعل الحاضر الأبرز في تلك الجولات المكوكية: وصفة طبية يقدمها المدير العام للوكالة في كل قرية أوحي أو “أدباي” إن صح التعبير حطت به رحاله قائلا: أنتم… مشكلتكم الأساسية هي الجهل والتخلف والفقر والأمية، مُشخصا بذلك الداء من دون أن يُعطي الدواء … على سبيل المثال لا للحصر كأن يتفضل بالقول: بأن تلك القرية بحاجة إلى مدرسة ومستشفى وسيكون فيها ذلك.. وذاك الحي بحاجة ماسة إلى ماء شروب واستصلاح لأراضي زراعية تـدر نفعا على ساكنته .. ولهذا الفضاء أيضا أ ن يحظى بتنمية واهتمام في سبيل تطوير شامل… هذا بالإضافة إلى الضبابية التي تحكم سير العمل بالوكالة المذكورة إذ أنه لحد الساعة لم يكتمل إطارها التنظيمي باستثناء الوحدات الإدارية الرئيسة المتعلقة بمنصب المدير العام للوكالة وأمينها العام، وكذا المدير الإداري والمالي إلى جانب بنيات وظيفية أخرى سابقة لإنشاء الوكالة لازلت تثير تحفظات وشبهات بحكم محاصصتها غير العادلة لكون أن الوكالة الجديدة أنشئت على أنقاض أخرى… وبين هذا وذاك يبقى المواطن البسيط من شعب “لحراطين العظيم” الحالم بغد مشرق تائهًا في طرقه إلى تحيقق ذلك الحلم والأمل الموعود مُستفسرا عن ما إذا كان هناك بالفعل تمادي في إقصاءه وتهميشه وتعطيل كل مشروع اجتماعي من شأنه أن يُلحقه بالركب؟. أم أن قرار إنشاء الوكالة التي خُصصت لدمجه في الحياة العامة لا يعدو كونه استهلاك سياسي لكسب ود الناخبين من شريحته قُبيل الاستحقاقات التشريعية المُقبلة كما يري مراقبون. ليبقى قدره تكرير المطالب إلى غير منتهى حتى وإن كان نصيبه في الأخير مجرد وصفة طبية من وكالة “التضامن”.التي أقل ما يمكن من القول بشأنها، إنها جعجعة بلا طحين، أو كما يقول مثلنا الشعبي” العَيْطَة اكبيرة والميت فَارْ”. [1] - إذ يُقال إن أهل مكة أدى بشعابها