لقد سمعتم أو قرأتم بالتأكيد ما تناقلته وسائل الاعلام العالمية من قدوم المخابرات الامريكية علي عمليات تجسس ضد حلفائها في الدول الاوربية, حتى أن مبنى الاتحاد الأوربي رمز زعامة القارة العجوز لم يسلم من هذه العملية واسعة النطاق حيث أقدمت المخابرات الامريكية على بناء أجهزة تنصت
وتنصيب برامج تجسس لتسجيل وكتابة أي شيء يقال أو يكتب, وقد ذهبت بريطانيا الى أبعد من ذالك حيث قامت ببناء كابل زجاجي تحت الماء وسحبه داخل الاراضي الالمانية لضمان تجسس من نوع تقني عالى.
لقد حظيت ألمانيا بنصيب الاسد من هذه العملية بالرغم من أنها تعد الحليفة الوفية للولايات المتحدة وبالرغم أيضا من ركض المستشارة ميركل وراء الامريكيين في كل مناسبة بل وحتى من دون مناسبة.
إنها إذا جرائم ترتكب على أرض ألمانيا وفي حق كل المواطنين الأوربيين أو المقيمين , في الواقع لم أجد وصفا مناسبا لهذه العملية غير هذا .. إنها ترجع بنا الى زمن غابر وتذكرنا بالحرب البارده ومخلفاتها.
لم تكن هذه المعلومات لترى النور أبدا لولا أنه صحي ضمير أحد الشباب العاملين مع المخابرات الامريكية , إنه الشاب إدوارد اسنوودن الذي استاء من هذه الطريقة الغير مقبولة واتخذ قراره بفضح كل الاطراف المشاركة في هذه العملية الدنيئة ,لقد أنارالدول والشعوب بما يجرى وراء ظهورهم في حين يغطون في سبات عميق ويثقون في حكوماتهم ثقة عمياء.
لقد استطاعت مجلة دير شبيكل إجراء مقابلة مع اسنوودن أكد فيها أن الامريكيين يمدون المخابرات الألمانية ببرامج تجسس دقيقة وهي مبرمجة بحيث تبدأ بالتسجيل فور كتابة أي حرف أو كلمة باللغة العربية عن طريق أي موقع , بل وحتى الدخول إلي أي محرك بحث عربي.
بافتراض أن الاوربيـين لم يكونو يعلمون ,أليس على الحكومة الالمانية وباقي الحكومات أن تشكر الشجاع اسنوودن على نشر هذه الحقائق وإنارة الرأي العام بما يجري وراء الكواليس؟ أليس هذا أقل شيئ في حقه بعد أن كلفته هذه الحقائق وظيفته وأهله وحتى وطنه للأبد؟ ... لكن الشيئ الملفت للانتباه أنهم لم يعطوه حتى حق اللجوء السياسي في أوربا مما يطرح أسئلة وشكوكا كثيرة حول هذه القضية.
لقد بدى من الواضح أن السلطات الالمانية تشعر بالحرج من نشر هذه المعلومات خصوصا أن ميركل ووزيرالداخلية فريدريش نفو نفيا قاطعا علمهم بهذه العمليات بل وأبدو استيائهم وخيبة أملهم منها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا انتظرت ميركل وقتا طويلا كي تتحدث في هذا الموضوع ؟ لماذا بقيت أياما عديدة صائمة عن الكلام قبل أن يجبرها الرأي العام و المعارضة على تفسيرواضح لهذه القضية ؟
وتبقي الشكوك قائمة , هل يا ترى تعلم الحكومة الالمانية بكل هذا وتعمل بالخفاء يدا بيد مع الامريكيين لكشف أسرار المواطنين وما يفعلونه علي الشبكة العنكبوتية ؟ هل يمكن للحكومة أن تضرب عرض الحائط بالدستور والقوانين الالمانية والتي تحفظ الخصوصيات وتمنع منعا باتا المس منها إلا في حالات خاصة جدا وبعد إذن من النائب العام ؟
في الواقع لقد أجاب سنوودن عن هذه التساؤلات وبكل وضوح: " المخابرات الالمانية والامريكية تعمل يدا بيد وتحت سقف واحد".
إجابة واضحة و صريحة لا تترك أي أسئلة مطروحة في الشارع الالماني لكنها تترك أثرا سلبيا وتجرح مصداقية الحكومة أمام الشعب, لقد تعمدت الحكومة الالمانية أن تغط الطرف ياله من جرح ,جرح عميق....
محفوظ ولد صلاحي/ ديسلدورف - المانيا