من المؤكد بأننا في هذا البلد لسنا بحاجة لمن يشرح لنا مضامين خطابات الرئيس، فقد عودنا الإعلام الرسمي على أن يشرح لنا تلك المضامين، وأن يُسهب في شرحها. إن ما نحتاجه حقا هو أن نجد من يشرح لنا مضامين "الصمت الرئاسي"، خصوصا إذا كان هذا الصمت قد جاء في وقت كان ينتظر فيه الجميع أن يسمع كلاما في السياسة من سيادة الرئيس.
لقد كان الجميع يتوقع أن يتحدث الرئيس في الشأن السياسي خلال زيارته لنواذيبو التي دشن خلالها المنطقة الحرة، ولكن الرئيس خيب كل التوقعات عندما عاد من زيارته، ودون أن يتحدث ـ ولو بكلمة واحدة ـ عن الشأن السياسي للبلد.
ونفس ذلك "الصمت الرئاسي العجيب" الذي رافق الرئيس خلال زيارته للعاصمة الاقتصادية، سيرافقه أيضا خلال زيارته لولاية الترارزة. ولكن الجديد في زيارة الترارزة هو الظهور الطاغي لرئيس حزب الوئام، والذي ابتدع خلال تلك الزيارة نمطا جديدا من المعارضة لم يكن معروفا من قبل. إنها معارضة أكثر حضورا، وأكثر دعما، وأكثر تصفيقا من أصفياء الموالاة ومن مقربيها.
ولقد زاد صمت الرئيس وكذلك الحضور الطاغي لحزب الوئام خلال تلك الزيارة من ارتباك وإرباك الناس، خاصة وأن حزب الوئام لم يعد يخفي ـ ومنذ مدة ـ عدم تحمسه لما تقوم به كتلة المعاهدة من أنشطة.
ومع أنه قد جرت العادة بأن يبتعد الرئيس عن الحديث في السياسة في خطاب رمضان، إلا أننا مع ذلك توقعنا أن يكسر الرئيس هذه القاعدة، وأن يتحدث في هذا الخطاب بالذات عن الشأن السياسي، ولكنه أيضا لم يفعل.
فلماذا كل هذا الصمت الرئاسي؟
في اعتقادي الشخصي بأن السبب الأول لهذا الصمت الرئاسي هو أنه لا يوجد لدى الرئيس ما يمكن أن يقوله في هذا الوقت بالذات.
لقد أصبح من الواضح بأنه لم يعد من الممكن تنظيم انتخابات تلتزم بالموعد الذي حددته اللجنة المستقلة للانتخابات، والذي لم يعد يفصلنا عنه إلا ثلاثة أشهر. وهذا يعني بأن اللجنة المستقلة للانتخابات لم تأخذ تفاصيل المشهد السياسي وتعقيداته بعين الاعتبار عند اختيار موعدها الانتخابي، وهذا يعني ـ إذا ما تحدثنا بصراحة أكثر ـ بأن اللجنة المستقلة للانتخابات لم تختر ذلك الموعد بناءً على حقائق فنية وموضوعية تحصلت لديها، وجعلتها تتأكد من إمكانية إجراء الانتخابات في مثل ذلك الموعد، وإنما اختارت ذلك الموعد لأسباب سياسية بحتة، أرادت من خلالها أن ترجح كفة طرف سياسي على حساب كفة طرف آخر، وهو ما يعني بأن اللجنة لم تكن محايدة عند تحديد موعدها، أو أنها في أحسن الأحوال لم تكن لديها القدرة الكافية لقراءة الواقع السياسي للبلد قراءة صحيحة، وبالتالي لم تكن لها القدرة على اتخاذ قرارات صائبة وسليمة. وعموما، وفي كلتا الحالتين، فإنه يمكننا القول بأن اللجنة المستقلة قد فقدت مصداقيتها.
إن سقوط الموعد الذي حددته اللجنة المستقلة للانتخابات يعني سقوطها هي أيضا، وإن هذا التلازم يضع الرئيس أمام خيارين اثنين:
أولها : أن يتجاهل الرئيس كل الحقائق على الأرض، وأن يستمر في صمته، وذلك على أساس أن الأمور تسير بشكل طبيعي جدا، وأن الانتخابات ستنظم في وقتها، وأن المعارضة الداعمة التي ابتدعها رئيس حزب الوئام ستشارك على الأقل في تلك الانتخابات. وبطبيعة الحل فإنه لا يخفى على أي كان خطورة مثل هذا الخيار، والذي سيزيد حتما من تعقيد المشهد السياسي ومن ارتباكه، وربما من انفجاره.
ثانيهما : أن يكون صمت الرئيس ناتج عن قناعة قد تحصلت لديه مفادها أن اللجنة المستقلة للانتخابات لم تعد لها أي مصداقية، لا هي، ولا موعدها الانتخابي، وهو ما يعني ضرورة تنصيب لجنة جديدة، وتحديد موعد انتخابي جديد. وبالتأكيد فإن ذلك لن يتم إلا في إطار اتفاق شامل بين الكتل السياسية الثلاث، وفي انتظار ذلك الاتفاق، فإنه لن يكون لدى الرئيس ما يقوله في الشأن السياسي، ولذلك فقد قرر أن يُواصل صمته حتى يحصل مثل ذلك الاتفاق.
ومهما يكن من أمر فإن الرئيس لابد أن يكسر صمته خلال "لقاء الشعب" القادم، وحينها سيعرف الجميع أي الخيارين قد اختار.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل