انقلب الجيش المصري على الشرعية الانتخابية في مصر، واحتدم نقاش كبير: هل هو انقلاب عسكري؟ أم موجة ثورية جديدة؟ أم ثورة تجُبُّ ماقبلها كما يرى ذلك المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، الفريق أحمد شفيق؟
ولأن مصر أم الدنيا حقا - كما يقولون- اشتبك الجميع من خارج مصر مع يوميات الشأن المصري وتداعيات الانقلاب متابعة وتقييما وتحليلا ،وقدم كل طرف رؤيته الخاصة لما يجري في مصر وامتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بالمحللين والخبراء والمتحمسين ، ولأنها لحظة حاسمة وخطيرة، ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي كله، يصبح البحث عن الكتابة الموضوعية العارفة بالشأن المصري أمرا ضروريا وهنا تبرز أسماء كثيرة ،ولكن -في اعتقادي- يبقى المفكر المسيحي : د.رفيق حبيب الأكثر قدرة على التحليل الموضوعي المستقل من أي انتماء ايديولوجي مستفيدا في ذلك من خلفيته البحثية الواعية ومسيرته الطويلة في متابعة ورصد الشأن المصري، وهو مايمكن التأكد منه بسهولة لمن يقرأ سلسلته الأخيرة التي حملت عنوان:"تحولات الدولة والمجتمع بعد الربيع العربي" والتي صدر منها حتى الآن أربعة عشر جزء ،تناولت بالتحليل الموضوعي المتزن الشأن المصري بعد ثورة 25 يناير وتداعيات التحول الديمقراطي وخصص واحدة منها للثورة السورية.
والكاتب د.رفيق حبيب هو مفكر وباحث قبطي نشأ في قلب الكنيسة الانجيلية لكن كتاباته وأفكاره مثلت إضافة تستحق القراءة والتأمل فهو يقدم نفسه على أنه أحد أبناء الحضارة الإسلامية ويؤكد في كثير من كتاباته بأن الشريعة الإسلامية هي صمام أمان للمسيحية في مصر في ظل شحن طائفي متزايد في مصر وغيرها من البلدان العربية ذات التعدد الطائفي ،وقد كان عضوا مؤسسا في حزب الوسط الاسلامي قبل أن يصبح في مابعد نائبا لرئيس حزب الحرية والعدالة قبل أن ينسحب منه ومن مؤسسة الرئاسة معللا ذلك بضرورة التفرغ لأبحاثه بعيدا عن أي دور سياسي ، ورغم ذلك حافظ الكاتب على نفس المنهجية الموضوعية حين الحديث عن الرئيس محمد مرسي وعن جماعة الإخوان المسلمين.
في دراسته الأخيرة "الانقلاب العسكري انتكاسة أم نهاية؟ "الصادرة في السابع يوليو 2013 بعد أيام قليلة على بيان القوات المسلحة المصرية الذي انهت به أول تجربة حكم مدني ديمقراطي في مصرمنذ آلاف السنيين،يقدم الكاتب رؤيته للمشهد المصري الحالي توصيفا واستشرافا للمستقبل ويقدم في بداية دراسته خلاصة أساسية يجيب فيها على السؤال المطروح بقوة هذه الأيام مؤكدا على أن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري حظي بدعم شعبي من قطاع من المجتمع وقد جاء ليحقق أول انتصار للثورة المضادة في مصر وليضع الربيع العربي كله في خطر، ويتناول الكاتب في عشرة عناوين رئيسة هذا الانقلاب العسكري بالرصد والتحليل.
المؤيدون للانقلاب:
يرى الكاتب أن الشرائح التي شاركت في مظاهرات 30 يونيو مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة لاتتفق في الهدف بل إن بعضها لايعرف أهداف البعض الآخر وهي ثلاث كتل رئيسية:
الكتلة الأولى:عبارة عن المجموعات العَلمانية الرافضة للمشروع الإسلامي وأي ديمقراطية تأتي بهوية إسلامية للدولة المصرية وهي الكتلة الأصغر حجما لكنها مثلت الواجهة السياسية للانقلاب.
الكتلة الثانية: كتلة مؤيدة للنظام السابق تمثل الدولة العميقة وشبكات رجال الأعمال وتنظيمات البلطجية وهي بطبيعة الحال معادية للثورة وللتحول الديمقراطي وهي الكتلة الحاسمة والأكثر تنظيما وربما يأتي بعدها من حيث التنظيم الكتلة المسيحية والتي تمثل جزء من الكتل الداعمة للحل العلماني.
الكتلة الثالثة: هيكتلة غاضبة من تردي الأوضاع المعيشية وقد تم حشدها على ذلك الأساس وليس لدى هذه الكتلة مشكلة مع الثورة ولا حتى مع التيار الإسلامي وقد خرجت ظنا منها أن تغيير الرئيس سيحل المشاكل الحياتية التي تعاني منها.
الانقلاب المخطط:
يؤكد د.رفيق حبيب في دراسته أن الانقلابلم يكن عفويا بل كان مخططا له منذ فترة ليست بالقليلة من قبل النظام السابق ، عن طريق أجهزة الدولة العميقة في الشرطة والقضاء والجيش وأجهزة الأمن وهي الوحيدة القادرة في مصر على تنظيم مظاهرات حاشدة والقيام بانقلاب عسكري ، وقد جاء هذا الانقلاب كما يرى الكاتب استمرارا لمخططات سابقة فشلت ولم تنجح ويؤكد أن قرارالانقلاب تم اتخاذه قبل المظاهرات بعد رفض الرئيس محمد مرسي الاستقالة من منصبه أو البقاء والتنازل عن سلطاته كلها لحكومة من المعارضة العلمانية ، وهكذا يصبح النظام السابق بعد أن ظل القوة المسيطرة على الدولة والتي تقاوم التغيير وتعرقل مسيرة الديمقراطية يصبح بعد الانقلاب القوة الحاكمة الجديدة بعد أن أجهض الثورة مرحليا.
وقد قامت خطة الانقلاب على عدة محاور:
1. عرقلة جهود الرئيس والحكومة لحل مشاكل المواطنين ولتوفير قاعدة من الغضب الشعبي لتحقيق مخطط الانقلاب.
2. التركيز الواضح على أزمات السولار والبنزين والكهرباء لدورها الكبير في شل العديد من جوانب الحياة وقد تعاظم ذلك في الأيام السابقة لمظاهرات 30 يونيو ليتم حلها سريعا بعد خروج المظاهرات وهو ما يُظهر حسب الكاتب الحجم المفتعل للمشكلة.
3. بث الإشاعات للتأثير على الرأي العام وخلق حالة من التوتر في المجتمع.
4. شيطنة جماعة الإخوان المسلمين كأهم أدوات مخطط الانقلاب ووضع صورة مختلقة لها لدرجة جعلها متهمة بالقتل رغم أن القتيل منها ، وذلك لأن جماعة الإخوان في مصر تظل الأكثر تنظيما وشعبية ولكونها أيضا المنافس الأقوى للنظام السابق.
5. حملات إعلامية لتزيف الوعي وبث الكراهية لتعميق حالة نزاع أهلي تكون مبررا لعودة النظام السابق.
6. السيطرة على الصورة وتزييفها حيث أصبح هناك واقع على الأرض وواقع آخر على شاشات الفضائيات.
الدور الدولي والاقليمي:
كان الكاتب ممن يعتقد أن حدوث انقلاب عسكري في مصر هو احتمال ضعيف لأن الإدارة الأمريكية لن توافق عليه ولكن تقديره ذلك لم يكن دقيقا فقد تم تبرير الانقلاب بوجود مظاهرات رافضة للرئيس وأعادت المؤسسة الأمريكية نفس استراتيجيتها السابقة وهي استراتيجية التدخل العنيف إذا كانت السلطة السياسية في أي بلد لا تمثل حليفا لها عن طريق الحروب الاستباقية أو الانقلابات العسكرية، وقد تمالانقلاب العسكري بموافقة أمريكية ودعم عربي خليجي ويرى الكاتب أن أسباب الدعم العربي الخليجي للانقلاب العسكري في مصر كون هذه الدول تقف موقفا سلبيا من الربيع العربي فالسعودية مثلا لاتريد نموذجا إسلاميا ديمقراطيا ناجحا يسقط سندها الديني غير الديمقراطي والإمارات تخشى المنافسة الاقتصادية مع مصرخاصة مع تميز الموقع الجغرافي لمصر،أما الإدارة الأمريكية فيرى الكاتب أنها لاتريد نظاما غير علماني خاصة إذا كان يريد أن ينتج دواءه وغذاءه وسلاحه ويساوي قوته العسكرية بالقوة العسكرية للاحتلال الاسرائيلي، ويؤكد الكاتب أن ما يردده البعض من أن الإدارة الأمريكية تدعم حكم الإخوان ليس صحيحا بدليل أن الرئيس الأمريكي قال بأن مصر بعد الثورة لم تعد حليفا لأمريكا بعد أن رفض الرئيس محمد مرسي الضغوط الأمريكية مؤكدا أن مصر بعد الثورة دولة مستقلة ذات سيادة ،لذا يصبح من الضروري القيام بانقلاب عسكري حتى يأتي من يكون حليفا لأمريكا وهكذا التقت الإرادة الأمريكية التي تريد بناء نظام سياسي علماني لايسمح بالإرادة الحرة للشعوب التي تريد نظاما سياسيا يقوم على المرجعية الإسلامية والدول الخليجية التي لاتريد نظاما ديمقراطيا إسلاميا يمثل منافسا له جاذبية اجتماعية وسياسية خاصة مع انتشار مدرسة الإخوان المسلمين في أغلب الدول العربية والإسلامية.
مشهد الانقلاب:
يكشف مشهد الانقلاب الذي ظهر به في اللقطة الأخيرة الكثير من التفاصيل حسب الكاتب حيث جمع القيادات الدينية (شيخ الأزهر وبابا الأقباط) والرمز العلماني الأبرزفي مصر(البرادعي) وحزب النور السلفي المدفوع بأوضاع أو ضغوط إقليمية مباشرة أو غير مباشرة ومدفوعا أيضا باستراتيجية لا تناسب الموقف ترى ضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسبات القوى الإسلامية حتى لا يضيعها الانقلاب العسكري والتي تبين أنها تقديرات لم تكن صحيحة ساعات بعد الانقلاب حيث بدأت حملة تستهدف التيار الإسلامي وتم حل مجلس الشورى، وبالتالي يصبح الانقلاب العسكري واقعيا انقلاب النظام السابق على الثورة فالرموز الدينية كانت خياراتها قريبة من النظام السابق إن لم تكن جزء منه والقوى العلمانية تحالفت مع النظام السابق، وهكذا أصبحت الدولة العميقة مسيطرة بالفعل بعد الانقلاب مباشرة وبعد حل مجلس الشورى ليظل القرار في النهاية بيد القوات المسلحة خاصة القائد العام لها.
القوات المسلحة:
يقدم الكاتب توصيفا مهما لتركيبة المؤسسة العسكرية حيث يرى أنها تعاني من مشكلة مركبة فهي جزء من نظام يوليو وقد تأسست على العداء للحركة الإسلامية وهي في النهاية جزء من المجتمع ولايوجد داخل بنيتها عداء للهُوية الإسلامية ، لكن في نفس الوقت فإن مفهوم الأمن القومي لديها قائم على عَلمانية الدولة وأن إسلاميتها تهدد الأمن القومي والاستقرار الإقليمي وتجعل من مصر دولة مارقة حسب التعريفات الأمريكية وهو مايجعل موقفها في غاية التعقيد فإذا انحازت لعلمانية الدولة تصبح في موقف حرج اجتماعيا وحتى داخل القوات المسلحة نفسها ، وإذا سمحت بالخيارات الحرة للشعب المصري -خصوصا أنها تأتي دائما بالتيار الإسلامي- تناقض مفهوم الأمن القومي لديها القائم على علمانية الدولة وحين تدخل في هذا الصراع السياسي فإنها تصبح واقعيا في مرحلة خطيرة من تاريخها وجزء من صراع إقليمي ودولي مع الربيع العربي ، وهو مايمثل حسب الكاتب لحظة فارقة وحرجة في تاريخ القوات المسلحة خصوصا إذا كان المخرج الوحيد في هذه الحالة هو أن تُعيد القوات المسلحة تعريفها للأمن القومي المصري بما يناسب طبيعة المجتمع المصري ويعبر عنه وهي مسألة صعبة ومعقدة خاصة مع الدعم الأمريكي العسكري للقوات المسلحة.
الانقلاب سياسيا:
يرى الكاتب أن المبرر السياسي للانقلاب لدى القوات المسلحة يناقض ما حدث في ثورة 25 يناير حيث انحازت القوات المسلحة مع الشعب ضد سلطة لم تأتي بإرادة شعبية حقيقة أما الآن فقد انحازت لجزء من الشعب ضد جزء آخر منه وأصبحت بذلك في قلب صراع سياسي تحول فعليا إلى نزاع أهلي خطير، حيث يرى الكاتب أن حالة الاحتقان المجتمعي والسياسي كان يتم تصريفها في الانتخابات أما الآن فيريد الانقلابيون أن يتم تصريفها في الشارع وهو مايُعرض العملية السياسية برمتها للخطر ويقوض الشرعية، ولهذا يفسر الكاتب إصرار الرئيس محمد مرسي على التمسك بالشرعية وتكراره للكلمة عدة مرات في خطابه الأخير قبل يوم واحد من الانقلاب لأنه كما يرى الكاتب يدرك أن تقويض الشرعية الدستورية خطر على كل شرعية أخرى وستصبح السلطة بالغلبة في الشارع وهو ما يعني الدخول عمليا في مرحلة نزاع أهلي وهو مالم يدركه تحالف الانقلابيين حيث يرى الكاتب أن الانقلاب ليس له علاقة بالمشكلات التي خرج بعض الناس من أجلها بل هدفه الأساسي تصميم نظام سياسي مدعوم من النظام السابق والقوى العلمانية ومدعوم عربيا ودوليا وبعد ذلك يمكن للقوى الاسلامية أن تشارك في ذلك النظام السياسي العلماني إذا قبلت تلك الشروط. أهداف الانقلاب:
يجمل الكاتب أهدافالانقلاب في سبعة نقاط:
1. وضع قواعد لنظام سياسي يجعل الهوية الإسلامية في الدستور مقيدة بمواثيق حقوق الإنسان الغربية عن طريق وضع نصوص شبيهة بتلك التي عرفت بوثيقة السلمي.
2. أن تكون القوات المسلحة صاحبة اليد العليا في السياسة
3. تعميق استقلال القوات المسلحة كمؤسسة لا سلطة مدنية عليها
4. تعميق فصل عدة مؤسسات أخرى عن أي رقابة شعبية كالقضاء والشرطة
5. ترسيخ سيطرة الدولة العميقة على مصر
6. تأمين شبكات الفساد وملفات النظام السابق من أي ملاحقة أو محاسبة
7. إدارة أمنية وسياسية للعملية السياسية
8. التقييد والحد من الدور السياسي للقوى الإسلامية
9. فرض سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على وسائل الإعلام لتظل خاضعة لهيمنة العسكر وخلاصة تلك الأهداف: بناء نظام سياسي مستبد تحت غطاء من ديمقراطية مقيدة وإهدار مكتسبات الثورة.
مسار الانقلاب:
يرى الكاتب أن الكتلة الثالثة التي كانت أساسية في نجاح الانقلاب والتي تم تضليل وعيها حتى أيدت الانقلاب الذي شاركت فيه مع القوى التي طالما عرقلت حل المشكلات وأزَّمت الحياة لا بد أن تفيق في النهاية لتدرك أنها ساهمت في إعادة النظام السابق الذي منح الحماية للفساد ، وكما كانت هذه المجموعة بمثابة الكتلة الحرجة التي ساهمت بشكل حاسم في نجاح الانقلاب يمكن أن تكون أيضا جزء من إفشال الانقلاب .ويذهب الكاتب إلى أن المعركة أكبر من ذلك فالانقلاب قام ضد ثورة فإما أن ينجح الانقلاب وتنتهي الثورة أو يفشل الانقلاب وتنجح الثورة ،ولايوجد احتمال ثالث فالمعركة بين طرفين الثورة والثورة المضادة وهي معركة ليست غريبة على التاريخ فلم تنجح ثورة من الضربة الأولى والثورة المصرية كما يرى الكاتب نجحت بأسرع من المتوقع وهذه هي المشكلة لأن نجاحها لم يكن كاملا حيث تم حسم الثورة سريعا بتنحي رأس النظام السابق ، ولم يكن ذلك لمصلحة الثورة بل من أجل ألا تنجح الثورة بالكامل وينهار النظام السابق بالكامل، وهكذا حين فشلت كل محاولات إعادة النظام السابق التي كان آخرها محاولة إنجاح مرشحه أحمد شفيق في الانتخابات السابقة كان لابد من الانقلاب،ويقدم الكاتب خلاصة عميقة للمرحلة الحالية مفادها أن مصر الآن أمام معركة الثورة الأولى والأساسية ولكن بعد تقسيم المجتمع حول موقفه من الثورة كما حدث في سوريا والهدف من تقسيم المجتمع بعد الثورة حتى يتم إضعافه ولكي لا يكون له موقف محدد من الثورة وحتى يختلف المجتمع من الثورة ومن النظام السابق ويضعف الاجماع حولها وهنا تواجه الثورة نزاعا أهليا يعرقل مسيرتها.
مبرر الانقلاب ينقلب عليه:
يرى الكاتب أن أهم مبرر اعتمد عليه الانقلاب لتبريره هو وجود رفض شعبي في الشارع ومع أن هذه الحجة تشكل أقوى نقطة في مخطط الانقلاب إلا أنها كما يرى الكاتب تشكل أيضا أضعف نقطة فيه ،فكما كانت الحشود سببا في الانقلاب فإن الحشود الرافضة له يمكن أن تنهي الانقلاب ،لذلك يريد الانقلابيون وإعلامهم السيطرة على الشارع وتجاهل الحشود الرافضة لانقلابهم ،كما أن تحجج الانقلاب بوجود نزاع أهلي والذي زاده الانقلاب عمليا يمكن أن يجعل من هذا النزاع خطرا على الدولة والقوات المسلحة وهو ماسيدفع الانقلابيين للتراجع إلى لعبة سياسية ديمقراطية تقبل الجميع حتى يتم تصريف النزاع الأهلي في عملية سياسية بدل تصريفه في الشارع وذلك بعد أن تتقلص تدريجيا الكتل الداعمة للانقلاب مدفوعة بذلك من هيمنة دولة بوليسية تخدم النظام السابق فقط.
انتكاسة أم نهاية:
هذا هو السؤال الأهم والأخطر والذي يحاول الكاتب الاجابة عليه ،حيث يرى أن المسار التاريخي العام للثورة المصرية سيستمر في معركة التحرر لكنها ستواجه تحديات كبيرة بعد الانقلاب العسكري لذلك يرى أن ما حدث هو انتكاسة ستستمر لفترة زمنية قصيرة أو طويلة حسب تطور الأحداث ولن ينجح الانقلاب العسكري في مساومة شعب مصر الذي ضحى من أجل الحرية والاستقلال ومن أجل تحقيق الرفاهية التي لن ينفعها ضخ الأموال الهائلة والسريعة كما يتم التخطيط له لأن ذلك مرتبط بوجود ممول قادر على دفع معونات ومنح كبيرة ومستمرة ، وهو مايرى الكاتب أنه لن يحدث لأن القوى الخارجية في النهاية تخشى أساسا من تمويل مصر ماليا حتى لا تخرج من أزمتها الحالية وخوفا من تقوية مركزها المالي والاقتصادي ، ولأنه لايوجد من يدفع ثمن تنازل المصريين عن الحرية -هذا إن قبلوا بها أصلا- فإن الانقلاب في النهاية لن يأتي لا بالحرية ولابالرفاهية،فمقومات الانقلاب العسكري ونجاحه في تحقيق أهدافه غير متاحة ولكن الانقلاب العسكري يملك قوة السلاح لذلك فهزيمته كما يرى الكاتب ليست أمرا هينا وإن كانت متاحة في النهاية.
خلاصة:
يقدم د.رفيق حبيب في نهاية دراستهخلاصة عامة تستند إلى دروس التاريخ حيث حين يقول : "يرى البعض أنه عندما تقوم ثورة لإسقاط نظام حكم مستبد ثم تأتي حكومة منتخبة وبعدها انقلاب عسكري فإن هذا الانقلاب العسكري يفشل في النهاية والحكومة المنتخبة تعود للحكم وكل من أيد الانقلاب العسكري يخسر في النهاية" ليختم بالسؤال الكبير: هل تنطبق تلك القاعدة التاريخية على مصر؟يجيب الكاتب:ربما.
والحقيقة أن الدراسة تقدم رؤية موضوعية غير متحيزة مستفيدة في ذلك من تجربة سياسية وقدرة تحليلية متميزة على عكس الكثير من الكتابات والتحليلات التي تسقط في اكراهات الانتماء السياسي أو الايديولوجي الضيق وتحبس نفسها في دائرة الدفاع أو التبرير وأحيانا مجرد الهجوم دون النظر في المسار العام للحدث المصري برؤية موضوعية مستقلة وهو ما أعتقد أن الكاتب نجح فيه في دراسته هذه وفي دراساته السابقة.