وثائقنا المدنية بين الزبونية الجديدة والمزاد البيومترى / الحسين ولد جنجين

altمن المسلم به في أدبيات علم الإدارة و المانجمت العمومي أن قياس نجاح وتقدم المنظومة الإدارية رهين بمستوى الاستقبال وجودة الخدمة الإدارية المقدمة، فالاستقبال كخطوة أولى في علاقة المواطن بالإدارة يعد المرآة العاكسة لها ولواجهتها الأمامية التي على أساسها يبني هذا المواطن موقفه منها،

 ذلك أن انطباع هذا المواطن عن الإدارة وخدماتها مُرتبط في ذهنه بجودة الاستقبال الذي تخصصه له، الشيء الذي جعل استرجاع المصداقية والثقة في علاقة الإدارة بالمرتفقين، يتوقف على وجود وحدات إدارية متخصصة في استقبال المواطنين والإنصات إلى مشاكلهم و إرشادهم ومساعدتهم...

ولكن للأسف هذا هو عكس ما يقع في بعض المصالح الإدارية التابعة للوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، فالعون العمومي أو ما سمى بالسكرتير إما أن يكون مشغولا في الرد على اتصال هاتفي قد يراه ذا مصلحة مادية عليه أكثر من إسدائه لخدمة بسيطة لمواطن تجشم العناء وسئم من مماطلة الإدارة ، أوفي حالة أخرى قد يتعلق الاتصال بمرابحة ذات منافع متعددة وينتهى الوقت هكذا دون أن يلتمس المواطن حلاً لمشكلته التي جاء من أجهلها، ومن باب أحرى توجيهه إلى الجهات المعنية سواء في ذلك عندما يتعلق الأمر بالتقييد البيومترى أو عند التعرض لمشكلة من مشكلاته العالقة أو في حالة طلب للحصول على جواز سفر .. فالأمر أكثر تعقيد وبطءاً للإجراءات والمواعيد المتكررة دون جدوى....

وهذا كله خلافا لمبدأ "الإدارة في خدمة المواطن" إذ غالبا ما يكون الحاضر الأبرز في المصالح الإدارية المذكورة سيادة قيم الشخصانية والمحاباة والمحسوبية و الزبونية، وأحياناً التميييز بين المواطنين على أساس القرابة وغيرها.. وذلك بالطبع على خلاف ما كان يُرجى أصلا من الاستقبال المُتخصص بالإدارة الذي من شأنه أن يُساهم في التخفيف من حدة القلق والتوتر التي يعيشها المُرتفق. فبعد الإعلان عن المرسوم المنشئ للوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة وفقا للتأشيرة رقم: 150/2010 ، الذي بموجبه أعطيت لتلك الوكالة صلاحيات ومهام واسعة كهيئة تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية استبشر المواطن بحل مُشكل وثائق الحالة المدنية القديمة المُستندة على إحصاء أو الوطني العام لسنة 1998م، والذي اشتكى المواطنون من سهولة تزويره وكثرة الأخطاء والأغلاط في وثائقه ومعطياته ومعلوماته الإحصائية.

هذا على ضوء الصورة الوردية الجميلة التي قدمتها لنا الحالة المدنية الجديدة في صورتها البيومترية المُؤمنة ومراكزها المتعددة التي بات حديث المواطن البسيط عن إخفاقاتها كلامًا مُعاداً بالرغم من طمأنة الحكومة الموريتانية لنا بسلامة العملية ونجاحها متناسية حالات التزوير التي تم ضبط بعضها ومتابعة ملفات أخرى في القضية ذاتها لدى المحاكم الموريتانية.

لكن لعل الجديد في هذا التأمين هو تعقيد المساطر و الإجراءات الإدارية المتبعة للحصول على "الوثائق المدنية المؤمنة"، وكذا بطئها وزبونيتها الجديدة التي ربما هي أنجح في ملء الجيوب والبطون.. من خدمة المواطن وتقريب الإدارة منه، فجودة الخدمة الإدارية التي كنا نتطلع لها ونريد أن نلمسها في تعاطي الإدارة مع المرتفقين بدا من الواضح أنها وللأسف تفتقدها بعض المصالح الإدارية التابعة لوكالة سجل السكان والوثائق المؤمنة بشهادة الكثيرين.. ومن باب أحرى من عاين الحدث عن قرب، الأمر الذي جعل البعض ينتابه القلق من عدم نجاح سير عملية التقييد البيومتري المُؤمن الذي كان يعلق عليه آمالاً كثيرة في تصحيح هويته ووثائقه المدنية وتأمينها. ولعل كذلك أسباب هذا التوتر والقلق تعود بالأساس إلى تأرجح هذا المواطن المسكين بين سندان الزبونية الجديدة ومطرقة المزاد البيومترى المُؤَمَنْ بعد رفع سعر جواز السفر من ثلاثين ألف أوقية (30.000) إلى مائة ألف أوقية (100.000)، بحجة أن شكليات جواز السفر من فئة ثلاثين ألف أوقية قد نفدت ولم تُعد متوفرة كقول من يٌتقن فـنَ المُرابحة في التجارة.. لإرغام المُشترى على شراء البضاعة المتوفرة في حالة العجلة أو الحاجة المُلحة..!!، مع العلم أن إصدار جواز سفر من فئة 100.000 ألف أوقية لا يستغرق سوى 24 ساعة خلافا للآخر الذي يتطلب انتظار يومين أو ثلاثة أيام لقبول طلب الحصول على جواز سفر وأسبوعين لإصداره بعد إيداع الملف،... الأمر يجعل المرضى المرفوعين إلى الخارج والطلاب وكذا بعض الذين لديهم ارتباطات في بعض الدول يشكون من طول الانتظار والترقب...

كل هذا جعل المواطن يتخوف مرة أخرى من رفع سعر رسوم سحب بطاقات التعريف الوطنية من 1000 ألف أوقية إلى 10.000 عشرة آلاف أوقية كما هو دائر في حديث الكواليس من العامة وتوقعاتهم بعد المزاد البيومتري الذي أُحدثَ مُؤخراً في جواز السفر والذي بات هو حديث الكل. فكيف لنا إذن بعد هذا الواقع الذي باستمراره لا يُنذر بتقدم ونجاح إدارتنا العمومية أن نرتقي بهذه بمنظومتنا الإدارية إلى الابتعاد عن كل ما من شأنه أن لا يمت بالصلة لبنية الإدارة الناجحة حتى نساهم في خلق محيط يشعر فيه المواطن البسيط بقرب الإدارة منه..؟ وكيف لنا كذلك أن نُخرج حالتنا المدنية من دائرة الزبونية الجديدة إلى التأمين الحقيقي الذي يضمن للمواطن الحصول على وثائق مدنية سليمة..؟؟!!

 

الحسين ولد جنجين

باحث في مجال القانون والعلوم الإدارية /أستاذ: متعاون بجامعة انواكشوط

البريد الإلكتروني: [email protected] 

15. يوليو 2013 - 11:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا