حديث في القوة / عبد الله ولد الشريف

altيحدث التاريخ أن القادة العسكريين في الامبراطوريات الصينية القديمة - سون تزو مثلا - برعوا في التنظير للتخطيط الاستراتيجي للقوة في الحروب وشمل تخطيطهم الحروب الهجومية والدفاعية والجيوش القليلة والكثيرة العدد بالإضافة لنوعية وحجم الأسلحة المتاحة، ووضعوا بذلك قواعد للقوة استفادت منها البشرية ..

ويحدثنا تاريخ العرب بأن الصعاليك الشنفرى وعروة بن الورد وغيرهم من فرسان العرب الذين خلدتهم بطولاتهم قد نظروا للشجاعة والبطولة وخطوا منهجهم في القوة بثلاثية القلب الشجاع والسيف والقوس او الخيل ..

ذكرها الشنفرى في لاميته :

ثلاثة أصحاب فؤاد مشيع .... وأبيض أصليت وصفراء عيطل

وذكرها ابن الونان في شمقمقيته :

مع ثلاثة تقي صاحبها ما لم تكن نون الوقاية تقي

سيف كصمصامة عمرو باتر لا يتقى بيلب ودرق

وبين جنبي فؤاد ابن ابي صفرة قاطع قرا ابن الازرق

وفرس كداحس أو لاحق يوم الرهان شأوه لم يلحق

وأضافوا بذلك دروسا في القوة البشرية قوامها هذه الثلاث ..

وينبئ التاريخ الحديث أن قوى العالم الجديد تنافست تنافسا محموما في التسلح وصناعة الأسلحة حتى جاءت القنبلة الذرية والسلاح النووي الذي مازال أداة الفتك والتدمير الأولى ، بل ما زال الورقة اﻷقوى في فرض الرؤى واﻹرادات بين قوى العالم ...

وبعد كل الجهود اﻹنسانية الفردية منها واﻷممية التي غذت فكرة القوة يحدثنا تاريخ الدول المتقدمة أن شعوبها جاءت بقوة لم يفطن لها العالم من قبل وقد أثبتت التجربة فعاليتها ، وهذه القوة وإن كانت بدأت في أوربا مع الثورة الفرنسية بعفوية إلا أن القارة الهندية تحدثنا أن الزعيم المهاتما أغاندي (1869-1948م) رائد نظرية "الساتيا غراها" والتي تعني مقاومة الاستبداد عن طريق العصيان المدني الشامل قد وضع الأسس النظرية لهذه القوة التي حررت الهند من الاستعمار الانجليزي بحراك بدأه الفلاحون والمزارعون ضد الضرائب غير العادلة والتمييز العنصري ..

وتحدثنا الذاكرة القريبة بإن الشعوب العربية اليوم وفي مقدمتها شعوب دول الربيع العربي في طور حداثتها المعاصرة قد آمنت إيمانا عميقا بأن هذه القوة الناعمة أداة ناجعة لتحقيق ما تصبو إليه ويمكن أن تتغلب بسلميتها وحضاريتها على الرصاص والطائرات...

باختصار إنها قوة الصدور العارية واﻷيدي المرتفعة وحناجر الجماهير الهادرة المملوءة عزما وإرادة ؛ إنها القوة التي ولدت من الضعف وتتخذ اليوم في ميادين العرب لإرجاع الحقوق المغتصبة ، إنها قوة ولدت من عمق المعاناة ومن رحم التراكمات ..تراكمات الظلم والخديعة .. تراكمات البطش والتعسف .. تراكمات التعالي والاحتقار.. تراكمات الهزيمة والتبعية للاعداء.. تراكمات أخرجت المارد العربي من قمقمه ، وجعلته يقسم أن يعيد الشرف ويغسل العار حتى تعود أمته لمكانتها اللائقة وفي سبيل ذلك يجود بكل غال ونفيس بدءا بليترات من الدم العزيز والروح الصاعدة إلى السماء .

ولعلنا ننتظر من يجدد مفهوم القوة في الحديث الصحيح " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"

17. يوليو 2013 - 23:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا