شروط الثورة الناجحة / محمد المهدي ولد محمد البشير

الثورة عمل عظيم يمثل نهاية دورة حضارية في تاريخ أمة معينة، وبداية دورة أخرى في تاريخها، وإذا كان من الصعب حصر الأسباب التي قد تؤدي إلى قيام ثورة في بلد ما أو التنبؤ بتاريخ اندلاعها ومآلاتها؛ فإنه من الممكن رصد عدد من الإرهاصات التي إذا ما ظهرت في دولة معينة يصبح اندلاع الثورة فيها واردا في أي وقت، وفي ما يلي استعراض لبعض هذه الإرهاصات:

-  وجود تناقض صارخ بين الثقافة التي يرتكز عليها النظام السياسي القائم وبين ثقافة المجتمع؛

-  وجود قطيعة نفسية وثقافية بين الشعب وتطلعاته، وبين النظام وسياساته ومشاريعه؛

-  تحول النظام السياسي إلى عائق للأمة عن الاستجابة للتحديات الحضارية الكبرى؛

-  شعور الأغلبية أن النظام فاقد لجميع مبررات وجوده، وأنه لا أمل في إصلاحه من الداخل؛

-  وجود إجماع وطني على فساد النظام السياسي؛

-  عدم وجود آلية لتغيير النظام بشكل سلمي سبب الدكتاتورية، أو تزوير إرادة الشعب.

فإذا توفرت هذه المعطيات كلها ثم تحولت القطيعة النفسية - بين النظام الحاكم وبين الشعب المتذمر - إلى إرادة لـ"التغيير الحضاري" تبدأ الثورة تخرج من حيز " الوجود بالقوة" إلى حيز " الوجود بالفعل"، بعد أن تستكمل أربعة شروط هي:

-  وجود تحول ثقافي عميق في المجتمع ونظرته إلى السلطة والثروة، وما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم؛

-  وجود إرادة جماعية واحدة تنصهر فيها إرادة جميع الأفراد الطامحين إلى التغيير والإصلاح؛

-  وجود استعداد لتحويل تلك الإرادة الجماعية من حالة التصور النظري إلى حيز الواقع العملي؛

-  وجود نواة صلبة من نخبة المجتمع مستعدة للتضحية وقادرة على قيادة الجماهير وإذكاء حماسها.

وهذا ما يبين أن الثورة ليست مجرد سخط شعبي عارم على موقف سياسي أو قرار حكومي أو حالة اقتصادية، وليست انتفاضة شعبية لإسقاط نظام سياسي قائم مهما كان استبداد هذا النظام وتبعيته؛ بل هي تحول ثقافي، وإرادة جماعية، وعمل حضاري تنصهر فيه دعوات المصلحين، ونظريات الفلاسفة والمفكرين، وأحلام الشباب، وأشواق المضطهدين، وتطلعات المظلومين، وصيحات الثائرين، وغضب المهمشين من أجل تحقيق هدفين اثنين هما:

-   تقويض النظام السياسي والاجتماعي القائم وجميع الأنساق الثقافية والسياسية والاجتماعية التي كان يستمد منها شرعيته؛

-  إقامة نظام اجتماعي وسياسي بديل يعيد رسم العلاقات التي كانت قائمة بين أفراد المجتمع من جديد، ويقلب العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم رأسا على عقب.

وهذا ما يجعلني أخلص إلى أن الثورة الناجحة لا بد لها من:

-  أن يشترك في تفجيرها جميع أبناء الوطن وتوجهاته الفكرية والسياسية؛

-  أن تكون ثورة تهدف إلى إرساء قيم مشتركة تحظى بإجماع وطني؛

-  أن تمثل قطيعة ثقافية وسياسية واجتماعية مع الماضي؛

-  أن تنقل المواطن من منزلة التابع إلى منزلة الفاعل المؤثر؛

-  أن تحول الحاكم من مركز "المستبد المبجل" إلى مجرد موظف من حق الأمة أن تختاره بإرادتها، وأن تعزله باختيارها، وأن تحدد له صلاحياته وتقيد سلطاته وأن تحاسبه وتسائله .

[email protected]

19. يوليو 2013 - 11:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا