الذي يعطي ظهره للتاريخ بانجازاته وبناته بلا مستقبل، والرعيل الأول من الرواد والمؤسسين الأوائل سجلوا أسماءهم بحروف من ذهب في ذاكرة هذ الوطن.
ورحيل الفريد من نوعه محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود عن عالمنا اليوم لن يمر مرور الكرام، فحياته ينبغي أن يطلع عليها كل رجل دولة أو سياسي
أو دارس فقد نشأ الراحل في أسرة وطنية عريقة لا تعترف بغير الوطن ولا تعتز إلا به ولا تنتمي إلا إليه , وكان حلم حياته أن تنال موريتانيا حريتها واستقلالها بدستور وتعليم وكرامة وطنية لإيمانه بأن الوطن هو الحياة ,بل وأعز من الحياة وأنه للإنسان كا الروح للأبدان.
كان فهمه لما يحمله حلم إنشاء وطن قد انعكس علي تركيبته الإنسانية حيث اتسمت شخصيته بالتوازن بين الخصوصية الثقافية والحضارية وبين الانفتاح علي الثقافات والحضارات الأخرى, و منح كل جهده ووقته للمشاركة في تحقيق حلم بناء وطنه وتولي الإشراف علي بناء جيش وطني متكامل, وكان الخوف علي الدولة الوليدة من الأطماع المحيطة بها هو الدافع والهاجس , يقول عنه المرحوم المختار ولد داداه : "كان محمد ولد الشيخ تقدميا – إن لم نقل ثوريا- يحمل أفكارا سابقة علي زمانه يصعب فهمها في سياقنا آنذاك وتستعصي علي بنياتنا الذهنية " .
تشير سيرة الرجل إلي انه لم ينحن ولم يتنازل , ومن هنا ياتى موقفه عندما أقيل مع الأربعة الآخرين سنة 1966 , فهو الوحيد الذي استنكف ولم يسعي إلي عودة أو إعادة بل رجع إلي القرية التي تربي فيها " عين السلامة " وحفظ فيها القران وتعلم اللغة العربية وتفرغ لقراآته وعباداته , ولما سقط الوطن في قبضة الاستبداد و الفساد - وتحول من كنا نعتقد أنهم محصنون وقد تربو في حضن الدولة الوطنية النظيفة إلي حملة معاول وفؤوس لهدمه واكتساحه - بقي المرحوم محمد ولد الشيخ صامدا ومحصنا بتربيته الوطنية الرفيعة ودينه الذي كان يشبهه و أخلاقه الحميدة مكتفيا بذكري زمن جميل وصحبة جيل ضحي بذاته في سبيل مصلحة وطنه .
في الثقافة الإفريقية القديمة يطلقون على مراسم دفن الميت " العودة الي الديار " وقد انشغل محمد ولد الشيخ بتجهيز نفسه للعودة إلى الديار وقام بإعادة إنتاج شامل لحياته بالزهد في الدنيا والتفرغ للعلم والعبادة , واليوم إلى كل رجل دولة او سياسي او مثقف ننعى المرحوم الوزير محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود الذي منعه كبرياءه وعزة نفسه من أن ينحني أو يستعطف وترك دنيانا شامخا ورأسه مرفوعة.
رحم الله الراحل محمد ولد الشيخ الذي ناضل من اجل حرية وكرامة موريتانيا ولم تزل روحه متقدة قي نفوس أبنائه وأحفاده ومحبيه , ونقارن بين معدن هذ الرجل الفريد من نوعه ومعادن الآخرين ونطلب من الله اللطف ومن مواطنينا الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.