الصيام والأطباء الذين يحرمون ما أحل الله / محمد المهدي ولد محمد البشير

كلما أهل علينا شهر رمضان الكريم كلما بدأ الأطباء يتصدون للفتوى الشرعية من باب الحديث عن الأمراض التي تبيح الفطر، والأمراض التي لا تبيحه، بل صار منهم من يتشوف إلى أن يكون الطب هو المرجع الوحيد في قضية الصوم والفطر، وكأن الصوم مسألة "دنيوية" بحتة،

 وليس عبادة شرعية توقيفية، وهدا منكر من القول وزور. وإذا لم يتدارك فإنه سيؤدي إلى تحريف دين الله تعالى، ورفع الرخصة التي شرعها الله توسعة على عباده؛ فالطبيب لا يستطيع أن يستكنه حكمة رخصة الفطر في رمضان؛ لأنها تنتمي إلى حقل معرفي أبعد ما يكون عن حقل الطب الذي يفكر في إطار نسقه المعرفي، .وهو نسق يختلف اختلافا جذريا عن نسق الشريعة في موضعه وطبيعته ومنهجه العلمي وأهدافه وغاياته وأدواته البحثية، وعقلية الطبيب وخبرته لا تؤهله ليفهم مقاصد الشرع، وفلسفة التشريع، مهما استظهر من نصوص الشرع، وأقوال الفقهاء؛ لأن الفقه في الدين ملكة تنشأ لدى الفقيه بعد جهد جهيد من دراسة نصوص الشريعة ومقاصدها ومناهجها، وهدا ما يحتم على الطبيب أن يقف عند تخصصه ويتحدث في إطار مفهوم الصحة، ومفهوم المرض، ويحدد الإمراض التي يضر معها الصوم، والأمراض التي لا يضر معها، وخاصة تلك الأمراض التي لا تظهر الإصابة بها للعيان، والتي لا يشعر المصاب بها أنه مريض بينما يعتبره الأطباء مريضا .

ولبيان هذه المسالة أقول:

1) إن الصوم مهما ظهر لنا من حكمه الصحية أو الاجتماعية أو النفسية فإنه يبقى فريضة تعبدية غير معقولة المعنى لا يستطيع أحد أن يتحدث فيها بعقله بعيدا عن نصوص الشريعة ومقاصدها.

2) أن الله تعالى أجاز للمسلم أن يفطر في شهر رمضان إن كان مريضا أو على سفر، ولم يقيد هذه الرخصة بالأمراض التي قد تسبب للصائم ضررا أو مشقة بل تركه على إطلاقه مما جعل الفقهاء يختلفون بين قائل بان كل مرض يبيح الفطر مهما كانت خفته وهو مذهب الظاهرية، وقائل بان الفطر إنما يجوز في حالة المشقة وهو مذهب الجمهور؛

3) ان رخصة الفطر في رمضان ليست لرفع الضرر أو لتجنب الهلاك بل هي لرفع المشقة ودفع الحرج عن الصائم، وشتان بين رفع المشقة ورفع الهلاك؛

4) أنه لما كانت المشقة في الصوم غير منضبطة لاختلافها باختلاف الزمان والأشخاص والبيئة فقد أنيطت بمظنتها : " المرض" أو"السفر"،

5) أن الفقهاء قسموا المرض المبيح للفطر في رمضان إلى أربعة أقسام:

-  مرض قد يعرض صحة الصائم للمشقة الشديدة التي قد تؤدي إلى الهلاك ، وهذا يوجب على الصائم الفطر لزوما.. وإذا لم يفطر فإنه يكون آثما

-  مرض لا يعرض الصائم لخطر ولكنه يسبب له مشقة زائدة على مشقة المرض المعتادة وهذا يندب له الفطر في رمضان ولا يصوم في هده الحالة إلا جاهل -  مرض لا يعرض الصائم لخطر ولا يسبب له مشقة زائدة على مشقة المرض العادية وهذا يباح له الفطر في رمضان

-  مرض خفيف لا يؤثر فيه الصوم ولا تصاحبه مشقة وهدا لا يبيح الفطر إلا عند الظاهرية وابن سيرين والإمام البخاري .

وبناء عليه فإن لأطباء إنما يجيزون للمريض أن يفطر في الحالة الأولى وهي التي يعرض الصوم فيها صحة المرض للخطر؛ لأنها قد تسبب للصائم ضررا أو تعرض حياته للخطر، ويهملان الحالتين الأخريين لأنهما لا تسببان للمريض ضررا مما يعني أن الأطباء يحرمان على الصائم الفطر في 66% من الحالات التي أجاز الله له أن يفطر فيها

إن رخصة الفطر في رمضان إنما هي للتيسير ورفع المشقة والعسر ودفع الحرج والعنت عن المسلمين، ومفهوم التيسير، ورفع المشقة ليس من المفاهيم التي يدرسها الأطباء في الكلية، أو يهتمون بها في ممارستهم اليومية .

ويناء عليه فإنه ليس من حق الطبيب أن ينهى مريضا عن الفطر بحجة أن الصوم لا يضره، ناسيا أن مدار رخصة الفطر في رمضان هو دفع المشقة ورفع الحرج .

[email protected]

23. يوليو 2013 - 22:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا