و كأن الحرب وضعت أوزارها يوم أمس ، أو كأن إعصارا ضربنا يوم أمس ، أو كأن زلزال حطمنا ، أو بركان دمرنا ، فنحن دمار و ركام و أطلال و غبار و دخان .
نحن شعب من أتعس الشعوب و أكثرها أحزانا و آلاما ، و من أكثر الشعوب قدرة على المحافظة على الحياة ،
فالظروف التي وجدنا فيها من المعقول أن تكون هي نفس الظروف التي انقرضت فيها الديناصورات و لكننا لم ننقرض بعد ربما لأننا نشتهي الألم أو نستمتع به .
حين كنت صغيرا أيام كنت أظن أن صدام حسين هو رئيس موريتانيا كنت أظن أننا دولة من أعظم الدول و من أكثرها تقدما و ازدهارا ، و لكن حين كبرت أدركت أن صدام حسين ليس رئيسنا بل زعيما عربيا و رئيس دولة العراق الشقيق ، و أدركت أننا من أكثر دول العالم تخلفا و غبارا و فوضى ، و أدركت أن كلام الساسة في التلفزة مجرد زخرف من الكلام ، و أن وعودهم فارغة و كاذبة و منمقة .
إلى متى سيظل هذا الشعب المسكين محبوسا في زمان و مكان كئيبين ، محبوسا في حلقة مفرغة لا هو في الماضي ، و لا هو رأى طريقه إلى مستقبل أفضل ، لا هو ترك يعيش عيش كريما أو ترك ينتحر مع أول بزوغ ، ألا نستحق حياة كريمة ؟ في بيوتنا بدل التسكع في الفراغ ، و الموت في الشمس أمام دكاكين التضامن .
أيها الشعب إن الجوع قد قتل فيك الكثير ، و لكن إرادتك حية لم تمت و لن تموت ، فمتى قررت الحياة كتب لك عمر جديد .
أيها الشعب المرابط منذ سنين بعيدة على أبواب البأس حان الوقت لكي تنتصر لنفسك ، لقد حان الوقت لكي تشعر بالحياة و أو تموت في سبيل نفسك .
لا شيء في هذا الوطن يستحق أن نستمر في الحياة من أجله غير خيوط الأمل الخافتة .
أيها الشعب الموريتاني أدعوك إلى البحث عن حياة أفضل إلى البحث عن السعادة عن أيام العيد في فوضى اليأس ، و لن يكون ذلك إلى حين تشعر بأنك فعلا بحاجة إلى حياة كريمة ، و أول ما يجب أن نرفضه من مظاهر موت ذواتنا و إنعادمنا هو مظاهر الحياة الديمقراطية المنشودة ، و أولها الانتخابات القادمة التي لا معنى لها ، فلا معنى للانتخابات في اللادولة فقد يتخذنا العالم هزءا و سخرية و نحن في ظنا عن ذلك .
فالانتخابات مظهر من مظاهر الديمقراطية و نحن مجتمع مسلم يجب أن لا نكذب على أنفسنا ، فمجتمعنا لا يمكن أن توجد فيه ديمقراطية لانعدام وجود طبقة و سطى ، و لأننا مجتمع جائع سنعيب أصواتنا الهزيلة بأرخص ثمن و لأول نخاس .
و الانتخابات مظهر من مظاهر الفساد خصوصا أنها لعبة بالنسبة لنا فهي لا تحدد مصيرا ، و لا تحدث فرقا فنفس الأشخاص هم من يحكموننا مباشرة أو من خلف الكواليس ، فلا حاجة لتبذير أموال هذا الشعب الفقير في أشياء لا يفهمها ، فميزانية اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يمكن أن تمول مشاريع للشباب حملة الشهادات الذين أعياهم التظاهر أمام القصر الرئاسي و الذين في المقابل لا يعلقون أي أمل على مسخرة الانتخابات المملة ، و يمكن كذلك أن تؤمن فطورا للمساكين أو مساعدات اجتماعية لطلاب المحاظر .
إن أي مواطن يصوت ، يترشح هو مواطن ظالم لنفسه و لوطنه ، لأنه يساعد في تبذير المال العام في مسألة مفروغ منها ، و يساعد في التلاعب بالشرعية التي من خلالها سيعطى لشخص حق تقرير مصيرنا ، و ما من شخص يمكنه أن يفعل ذلك لأننا لم نمنحه هذه الثقة بإرادتنا بل أكرهتنا الظروف .
دعونا أولا نحيى ، و نعيش كما يليق بالانسان أن يعيش ، دعونا نؤمن كسرة الخبز و الرغيف أولا ، دعونا نتعلم و نعمل و نؤهل الظروف و الأرضية المناسبة للديمقراطية بعدها يمكن أن نبذر أموالنا على الانتخابات و على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات .
نحن مجتمع يستحق أن يحيى كما الانسان يحيى يستحق أن يشعر بالسعادة و الرفاه و أن يلتحق بالركب ، فدعونا نبحر إلى مستقبل أفضل و لا تلجمونا بالخزعبلات الوقحة .